طفلي ملك مستبدً لا أعصي له أمراً!

الوحدة: 10-6-2021


 

يمكن للطفل أن يفرض حضوره إلى درجة الطغيان في العائلة منذ بداية وعيه حتى يصبح هو قطب الرحى الذي تدور حوله كل شؤون العائلة، وإذا لم يتخذ الأبوان إطاراً عاماً للتربية، ليشعر الطفل منذ البداية أن عليه إطاعة الأوامر وتجنب النواهي فإن هذا الطغيان يمكن أن يأخذ طابعاً متطوراً، وغير محمود العواقب كلما تقدم الطفل بالسن ليأخذ الأمر مستوى أعلى من الخطر في فترة مراهقته يوم لا يمكن للأبوين صده أو توجيهه بسهولة.

وفي جميع الأحوال يتوجب أن تغرز في ذهنية الطفل حدود عليه مراجعتها مع جعل قضية حبه والعطف عليه ومراعاة مشاعره تخضع لمعادلة النسبية مع ما يأتي به من أفعال، فالطفل يمكن أن يتدخل في كل شؤون المنزل، ويفرض على أمه أن تقوم بطهي الأشياء التي يحبها هو دون الآخرين، أو أن يفرض بسلاح التجهم والبكاء تارة، وبالعنف والعبث تارة أخرى، آراء وأفكاراً صغيرة بصغر سنه والغريب أن الكثير من الآباء يبدون استعداداً عجيباً لتلبية جميع طلبات الطفل المدلل، خاصة إذا كان وحيد العائلة أو وحيد جنسه فيها، فتراه في بعض الأحيان يأمر بلهجة التحدي والانتصار، كنا يفرض في أثناء جولات التسوق على الأبوين شراء ما يريده هو، بغض النظر عن الثمن، لأن الأمر لا يعنيه، ولا يستطيع أن يفهم نعنى ميزانية الأسرة وقدراتها المالية الحقيقية، ولعل ما يزيد من غلواء مثل هؤلاء الأطفال لهجة الأمر والنهي من قبل أحد الوالدين أو كليهما، عندما يشاهدان ابنهما أو ابنتهما وقد غادر مرحلة الطفولة الأولى البكماء، وصار قادراً على فرض حضوره الطاغي وهنا يجب أن نميز بشدة بين مشاعر الحب تجاه الأطفال وبين واقع يقول أن للطفل أنانية يحاول من خلالها أن يطغى على المخيط إن لم تحدد بأوامر ونواهي وملاحظات يومية لتعديل السلوك إلى السياقات الطبيعية.

وقد يبدأ الدلال منذ بداية نمو وعي الطفل في العالمين الأول والثاني حيث تعمد الأم والأب إلى مناداته ب (اسم الدلع) وهي مفردة مفعمة بالحب الطاغي، ويحمل التلفظ بها الكثير من المشاعر، مشاعر الخوف على الطفل والاستعداد الكبير لتلبية كل ما يريد ويرغب به حتى نجد أنفسنا أمام سلسلة من الأزمات، تكون مادتها رفض الطفل وخضوع أحد الوالدين، وهي أزمات تتخللها نوبات البكاء الاحتيالي الذي يذهب في أحياناً كثيرة إلى نوبات شديدة لأن الطفل يمتلك إرادة قوية لتحقيق رغباته ليحصل على ما يريد.

فنحن أولاً وأخيراً أمام مخلوق إنساني يحمل في عقله كل تفتح الإنسان على محيطه ورغبته في أن يتوح نفسه ملكاً على هذا المحيط ولذلك فإن الجهاز النفسي للطفل سيبلغ درجة الازدواج بين ملاك الدلع الذي اكتسبه من الاسم الثاني وبين شخصية طاغية تريد فرض نفسها على كل شيء والطفل يحاول إذاً أن يلعب على هذين العنصرين مع ما يشتملان عليه من تناقض ، فيما تأتي لحظات هدوئه عندما يستطيع تحقيق نوعاً من التوازن فيما بينهما عن طريق طلب المزيد من الحب والكثير من الاستحواذ وعادة ما يعمد مثل هؤلاء الأطفال إلى التظاهر بالمزاج العكر ورفض الوجبة الغذائية أو العبث بمحتويات البيت ، فإن لم تنجح الأولى والثانية فإنه سيعمد لا محالة إلى اسلوب العبث وهنا يكون من الخطأ تركه يتمادى لكي  يبلغ مرحلة الرغبة في تكسير الأشياء الثمينة. ثم إذا أبدى أحد الأبوين أو كلاهما تشدداً إزاء هذه التصرفات، فإن ذلك قد لا يجدي نفعاً لأن دماغ الطفل قادر على اختزان معطيات فورية، واتخاذ ما يلزم من الإجراءات المضادة لغضب الوالدين، مثل التظاهر الفوري بالمرض أو الخوف والارتجاف الشديد، الأمر الذي يجعل الأبوين في حيرة حقيقية حول جدوى العقوبة…

هناك زيادة واضحة في أعداد ما يسمى (الأطفال الملوك) الذين لا يعصي لهم الوالدان أمراً وسبب ذلك وجود إحساس ورغبة في اللاوعي لدى الأب أو الأم، بضرورة أن يعيش طفلهما أفضل حياة ممكنة مهما كلف الأمر وقد يحدث أن يستعين الآباء بالأطباء النفسيين علم يعثرون على أفضل طريقة للتعامل مع هذا الرقم الصعب، أي الطفل المدلل أو عندما يدركون هبوط مستواه الدراسي، فالطفل بهذه المواصفات يمكن أن يحيل العلاقات الأسرية إلى دراما حقيقية،  خاصة وأن فترة التحاقه بالمدرسة ستزيد الأمور سوءاً ، لأنه (الطفل المدلل) سوف لن يجد الأرض الخصبة التي يمارس فيها (دلعه) وطغيانه وفي اليوم الأول من وجوده هناك نحده يصطدم بتلك الأجواء التي سرعان ما يكتشف أنها عدوانية، ومخالفة تماماً لبيئته المعتادة، ولا يملك في هذه الحال قدرة على التعامل معها، فوجود الواجبات المدرسية مثلاً، سيشكل أكبر تحد لعادته في عصيان الأوامر، ثن إن الحب والعواطف الحياتية

التي اعتادها في كنف الأسرة، لن تجد طريقها إليه وهو في باحة المدرسة.

الطفل هو في حقيقته كائن آدمي متكامل يحب أن يتعرض إلى احباط في إطار تطوره ونموه الذهني، إلا أن اتحاذ إجراءات سلوكية تزرع الإحباط في نفسه كدواء للحد من  طغيانه يعد من الأخطاء التربوية الفادحة لاسيما وأنه يمكن لمثل هذا الطغيان أن يشذب ويهذب بأساليب أخرى، ومنها إثارة انتباه الطفل، ودفعه إلى الاهتمام بأشياء جديدة خارجة عن المحيط الذي يعيش فيه، فيما يؤكد علماء النفس أن دفع الطفل إلى اكتشاف مواهبه الشخصية يعد ترياقاً مضاداً لدلعه لأن من شأن هذا الاكتشاف مهما كان بسيطاً يلبي رغبة ما في نفسه، ما يعني ولادة جدل عقلي يضع الطفل على أول طريق الحياة العملية.

لمي محمد معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار