العـــــدد 9309
الإثنـــــين 11 آذار 2019
وقع الاتحاد الرياضي العام مطلع الشهر الماضي على اتفاقية تعاون مع غرفة صناعة دمشق وريفها تضمنت وضع منشآت الاتحاد الرياضي تحت تصرف غرفة الصناعة خدمة لأهدافها في إقامة مهرجانات التسوق الشهري (صنع في سورية)، بمقابل أن تقدم غرفة الصناعة دعماً مادياً لرعاية المواهب الرياضية المتميزة.
من يقرأ هذا الخبر يعتقد أن المنظمة الرياضية حققت إنجازاً بتوقيع هذه الاتفاقية، ويظن أن الرياضة السورية ستنعم بالوفرة المالية، وسترتقي نحو منصات التتويج العربية والعالمية بعدما أزالت عن كاهلها الأعباء المادية التي تعتبر عنصراً هاماً في تحسين جودة الأداء، ولكن من يغوص في ماهية هذه الاتفاقية، سيجد أنها تحقق أهداف طرف واحد، فهي تعطي غرفة الصناعة امتيازات كبيرة على حساب الرياضيين، ومنشآتهم المتهالكة، لقاء مبالغ غير معلومة قد لا يشعر بها أي رياضي سوري على الإطلاق.
في نص الخبر المنشور على موقع الاتحاد الرياضي العام في العاشر من شهر شباط الماضي لا توجد أي إشارة إلى فائدة جناها الاتحاد الرياضي من فتح صالاته أمام الصناعيين، فكل العبارات التي ساقها رئيس المنظمة تدل على أن المنشآت الرياضية هي التي خدمت الصناعيين، وسهلت أمورهم، في حين لم نعرف حتى هذه اللحظة ماذا قدم الطرف المستفيد، وما هي المبالغ التي صرفت في سبيل دعم الرياضة السورية، وتجهيز المنتخبات واللاعبين؟.
في سياق الخبر أيضاً، يأتي كلام رئيس غرفة صناعة دمشق وريفها ليؤكد أن غرفته وصناعييه هم الذين استفادوا من صالات الاتحاد الرياضي، وليس العكس، علماً أن أي اتفاقية يجب أن تخدم طرفيها، وأن تعود بالفائدة على الجميع، وهنا نستطيع أن نطالب رئيس المنظمة الرياضية بكشف حساب توضيحي لما دخل إلى خزينة الاتحاد جراء هذا التعاون الذي بدأ في عام 2014، أي قبل خمس سنوات تقريباً، لنحكم حينها على جدوى هذا التعاون، ومدى انعكاسه الإيجابي على الرياضيين.
لا شك أنه من حق غرفة صناعة دمشق أن تبحث عن سبل نجاحها، وأن تقتنص أي فرصة لتطوير عملها ودعم منتجات أعضائها، ولكن من حق الرياضيين أيضاً أن يسألوا أعلى سلطة في المنظمة التي ينتمون إليها عن المكاسب المحققة من تأجير منشآتهم التي أسست لخدمتهم لا لخدمة الآخرين على حسابهم.
أسئلة مشروعة
يسأل رياضي حائر، أين سأتدرب عندما يفرد الصناعيون بضاعتهم في الصالة المخصصة لي؟، وإلى أين سألتجئ في أيام المعرض التي قد تمتد لشهر تقريباً؟، فهل فكر الموقعون على الاتفاقية بأنهم سيحرموننا من ساعات تدريب هي في الأساس من حقنا، ولا يمكننا الاستغناء عنها إن كنا نريد أن نطور أنفسنا، ونؤهل ذواتنا للمشاركة في بطولة خارجية قد نرفع من خلالها اسم الوطن.
ويسأل آخر، كيف سيتم التنسيق بين تلك المعارض والاستحقاقات المحلية؟، فهل ستؤجل بطولة الجمهورية بأي لعبة كرمى لعيون الصناعيين؟، أم أن الصناعيين سيختصرون وقت معرضهم عندما يسمعون بأن الرياضيين يطرقون أبواب صالتهم ليتنافسوا على بطولة ما؟.
ويسأل ثالث، هل من الممكن أن أرى مواطنا يتسوق من على بساط الجودو أو الكارتيه، أو يصعد إلى حلبة الملاكمة كي يشتري كسوة لأبنائه، وعدة المطبخ لزوجته؟!!!.
(باركيه) ببلاش
بالعودة إلى خبر الاتفاقية نجد أن الاتحاد الرياضي لم يستثن أي صالة من صالاته، ولم يقل أن هناك صالات أو منشآت لا يجوز أن تستخدم لأغراض غير رياضية، فعلى سبيل المثال، قد تقرر غرفة الصناعة أن تقيم قسماً من معرضها على أرضية ملعب السلة المصنوعة من الخشب (الباركيه)، وهذه الأرضية تبلغ تكلفتها عالمياً بحدود 30 ألف دولار، ومن غير المسموح لأحد أن يدوس عليها إلا بحذاء أملس كيلا يجرحها أو يؤذيها، فهل يستطيع أصحاب المعارض فرض نوعيه معينة من (النعال) على زائريهم؟، بالطبع لا، وهل سيجني الاتحاد الرياضي مقابلاً (محرزاً) لقاء الضرر الذي سيحدثه الزائرون لأرضية صالاتهم؟، بالطبع لا، فتخيلوا يا رعاكم الله المشهد التراجيدي لجموع المتدافعين على (الباركيه) المسكين.
لسنا ضد الاتفاقية ولكن
بالتأكيد لسنا ضد أي اتفاقية بين مفاصل العمل في الدولة، فهذا الأمر يعطي فرصة للتشاركية بين قطاعات متباعدة في الاختصاص، ولكنها قادرة على تبادل الخدمات لتحقيق نتائج إيجابية.
إن الاعتراض يأتي بسبب الجهل بكيفية تحقيق مكاسب متوازية للأطراف جميعها، فلو أن الاتحاد الرياضي اشترط على الطرف الآخر أن يقوم بصيانة ملعب أو صالة مقابل استثمارها في أوقات المعارض، لكانت الاتفاقية مباركة من قبل المعنيين، فكم من صالة تئن وتنتظر من يعيد تأهليها؟، وكم من منشأة رياضية متهالكة تحتاج لقليل من المال كي تستعيد شبابها؟، وكم من فسحة فارغة داخل منشآتنا تبحث عن متمول كي يشيد عليها ملعباً أو صالة تعود فائدتهما على الأجيال القادمة؟، فقد كان حري بالمنظمة الرياضية أن تلحظ هذا التفصيل المهم عندما فكرت بفتح صالاتها أمام رجال الصناعة والاقتصاد، فالرياضيون ليسوا بحاجة لأموال تدفع إلى صندوق لن يحقق لهم أي شيء، بل هم بحاجة إلى منشآت حقيقية لتطوير مستوياتهم والارتقاء بواقعهم المرير.
بالأمس انتهى أحد مهرجانات التسوق الشهري في مدينة طرطوس التي تعاني من أزمة على مستوى المنشآت الرياضية، وتحديدا منشآت كرة القدم، فالمدينة أصبح لديها فريق في الدوري الممتاز، وملاعبها ليست بالمستوى المطلوب، ولا تصلح في كثير من الأحيان لممارسة كرة القدم، إضافة إلى أن الجماهير الطرطوسية تتابع فريقها على مدرجات لا تستوعب الحضور، ومن دون مظلات تقيهم حر الصيف، وأمطار الشتاء، فكم كان جميلاً لو أن الاتفاقية المومأ إليها تضمنت بنداً يفرض على الصناعيين تقديم مبلغ مناسب لتجهير ملعب لائق برياضة المدينة، أو تزويد مدرجات أحد الملاعب بمظلات لطالما طالبت بها الجماهير هناك؟، عندها فقط سيكون المهرجان موضع ترحيب، وبشارة خير للرياضة وأهلها.
وغداً.. عندما ستمتد المهرجانات إلى اللاذقية، لا تنسوا أن تعرجوا على استاد البعث في جبلة، فهناك خلف المدرج الشرقي قطعة أرض تصلح أن تجهز بالعشب الصناعي لتصبح ملعباً تدريبياً لكرة القدم يخفف عناء السفر اليومي لكل فئات النادي إلى اللاذقية للظفر بساعة تدريب واحدة، لا تنسوا أيضاً أن منشآت أندية اللاذقية تحتاج إلى بث الروح فيها من جديد قبل أن تحولوها إلى معارض للصناعيين الوطنيين، فعندما يكون بمقدوركم فرض هذه الحالات على غرفة الصناعة في دمشق، سيكون العمل أكثر وطنية، وسيصبح مردوده علامة فارقة في مسيرتكم المليئة بالنكسات.
غيث حسن