عصارة الحياة..

الوحدة 12-4-2021

أقف (مبحلقة) كلما رأيتهم ينقادون بتصميم ورغبة دفينة إلى شاشة التلفزيون ليضعن وجوههن تحت رحمة مشرط الجراح، يمحون خطوطاً رسمها الزمن تحت الجفون المنتفخة والجسد المنهك، يذهبن كاشفات عن مناطق في العمر لم يعشنها، أحاسيس قادتهن إلى استكمال ما رأينه نقصاً.. أنف أطول من اللازم عيون مرهقة، جلود متعبة..

الجراحات التي صارت هوس (الكمال الإنساني) وحلم المراهقات بجسد مثالي أصبحت هوس الأخريات الأكثر نضجاً، واللاتي يبررن كل هذا الأرق بالرغبة في بدايات جديدة بعد أن صارت الجلود مثل قطع غيار يتم تبديلها بقسوة أو نفخها بامتلاءات يعاد صوغها لتكبر أو تصغر أو تنخفض أو ترتفع حسب مقياس الحلم!

ماذا بعد انبعاث الجسد بهذا الشكل الجراحي سوى خواء الروح التي لا تعرف كيف تخلق توازنها وكيف تعتبر الزمن عدوها الذي تطارده لحسابها مشارط الجراحة؟

كان جلجامش لا يعرف القهر، خاض البحار والأرض ولم يقف أمامه إلا الموت الذي خطف منه صديقه الوحيد (أنكيدو)، هام جلجامش يبحث عن عشبة الخلود وقد سرقها من أرض الجن بعد رحلة طويلة وعندما تعب من السير عائداً بما سعى لامتلاكه نام على حافة البئر فجاءت حية عابرة سرقت منه عشبته أكلتها ومضت تغير جلدها كلما تشقق ولا تموت تقاوم الجوع والصحراء بخلودها المتجدد.

مات جلجامش وأنكيدو، وبقيت الحية التي أسقطت كل الأساطير صورة امرأة تعرف كيف ينفتح بطنها بالحياة ، فصارت المرأة حية الأساطير التي تقاوم الموت بالولادة وتعيد الكون بالإخصاب.

عشبة الحياة تلك لم تكفل للمرأة أي قدر من السعادة التي تحملها روح زهرة تبث عبقها وتتحول إلى عصارة من أرق تحمل روح الوجود، المرأة التي تاهت بين كل التمثلات الأسطورية للحياة وللموت وللتجدد باتت ترى أن وجودها هو في مبضع جراح ، في عجز حقيقي عن أن يكون لحياتها معنى موازياً، يبسطه القلب وتظهره الأيام ليصير أكثر صفاء وأكثر حكمة ونضجاً.

نركض مثل جلجامش فلا تدركنا إلا خطوط الزمن التي هي أكثر عمقاً من كل محاولات التخفي وراء الأقنعة.

لمي معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار