مشاهد حياتية

الوحدة: 10-4-2021

سأل أحدهم رجلاً، لماذا انفصل عن زوجته التي كان يحبها، فأجاب بأنهما فقدا صداقتهما فأصبحت حياتهما بلا نكهة حتى جدران البيت فقدت حرارتها،

 والستائر  ألوانها والعطور عبقها.

بينما قالت الزوجة إنها كانت تبكي على مقربة منه فلا يرى دموعها، وتبادلا التهم

كل منهما يحمل الطرف الآخر مسؤولية انهيار عشهما من مملكة الأغصان الخضر إلى أسفل الجذع، بينما قال شيخ حكيم من أقاربهما، إنهما فقدا كهرباء التناغم بينهما، فانطفأ مصباح قلبيهما.

وسأل مدير موظفاً لديه، لماذا لا يجيد عمله ويبطئ في أدائه، وكلما تقدم يوماً،

تأخر في أدائه يوماً، فأجابه: أحببت أن أمارس الإدارة فوضعتني يا سيدي في قسم  الحسابات التي لا أجيدها، ولا أتناعم مع زحمة أرقامها.

وردت مدرسة وهي تنتحب على مديرة المدرسة التي تلومها على كثرة عصبيتها، ونفاذ صبرها مع طلاب الصف، وقالت لأنني لا أحب التدريس يا سيدتي، ولم أحبه قط في حياتي، لقد أردت الفنون الجميلة لكي أفجر موهبة الرسم التي تسكنني منذ أن وعت أصابعي ألوان قوس قزح، فأبى والدي ذلك، وخيرني بين مهنة التدريس أو البقاء في البيت بحجة أنها المهنة الوحيدة التي تناسب المرأة، متجاهلاً أن تناغم الألوان مع ريشة قلبي هو الوحيد الذي يناسبني، لذلك أجدني كلما واصلت عملي في التدريس، يوماً كرهته يوماً آخر.

ولامت أم ابنتها،  لماذا تفضل زيارة صديقتها على زيارة ابنة خالتها على الرغم  من أواصر الدم ووشائح القرابة، فقالت لها إن أواصر العقل والروح هي التي تحرك وتقود قدميها، أكثر من أواصر الدم، وإن بينها وبين صديقتها تناغماً وإيقاعاً فكرياً لامثيل لهما في علاقتها بابنة خالتها.

التناغم.. هل من غنى عنه في أي عمل ناجح في حياتنا؟ لعل التناغم موسيقى الحياة نفسها، مادام مشتقاً من النغم، وإذا كان النغم هو الصوت الموقع الذي يثير المتعة في نفس السامع، فإن التناغم الذي يدل مجازاً على الانسجام المتبادل والتوافق بين شخصين أو فكرتين أو معنيين، لا يكتفي بإثارة المتعة العابرة، بل يتعداها إلى ما هو أرفع وأبقى منها لعله سر النجاح لأنه سر الرضى، وبالتالي فهو سر السعادة، ومهما كانت السعادة الكاملة المطلقة غاية لا تدرك في هذه الحياة الدنيا المشتق اسمها لغة من الدنو والموسومة بالقصور فإن سبيل السعادة والسعي لامتلاك أدواتها هو غاية لا متناهية، وسعي دؤوب يستغرق كل حياتنا سواء أصبنا الطريق لبلوغ ذلك أم أخطأناه، وحين نخطئه تبقى كلمة السر المستعصية على من أهملها هي (التناغم)..

لا شيء يخلو منه كي يصبح جميلاً ومفرحاً وشهياً، فالموسيقى تناغم نيات حسنة، والصداقة تناغم أفكار، والعبادة تناغم وجدان والطبيعة تناغم ماء وهواء ونار ومعدن وخشب، والزمن تناغم دورة الأرض مع دورة الشمس.

والتناغم سيمفونية الوجود التي من دونها تصبح الحياة صماء أمام نداء سعادتنا فجدير بكل لحن البحث عن (نوتته) المناسبة، وسطره الموسيقي الذي يليق بدرجة ارتفاعه على سلم السعادة المنشودة..

لمي معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار