الأستاذ نحس!

الوحدة 6-4-2021

قال لصاحبه إن بينه وبين الحظ خصومة وعداوة، فهو منذ طفولته سيء الطالع، فالليلة التي ولد فيها كانت ليلة عاصفة وشديدة البرودة، كما أخبرته والدته، وأن والده ليلتها صعد فوق سطح المنزل لإغلاق المفتاح الرئيس للمياه، وكانت المفاتيح يومها توضع فوق المنازل، وبسبب العاصفة صعقته الكهرباء وسقط ميتاً، وأن منزلهم احترق فور بلوغه الأربعين يوماً، بعد أن نسيت الخادمة موقد الطعام ونزلت لشراء غرض فتأخرت، وكاد هو ووالدته يلقيان حتفهما وأنه لما شب قليلاً كان أقرانه يتحاشون اللعب معه بسبب نحسه فهو، كما يزعمون، نحس بشري، ومع أن قريتهم الزراعية كانت تجود أرضها بأطيب المنتجات، إلا أنه منذ ولادته حتى ذهابه إلى المدينة لإكمال دراسته الجامعية، كانت الآفات الزراعية تفتك بالمحاصيل سنوياً، ولمدة ثماني عشرة سنة، أي منذ مجيئه إلى الدنيا حتى خروجه من القرية للدراسة،

وأن الجامعة التي التحق بها قد أغلقت أبوابها وهو في السنة الدراسية الثانية، فاضطر إلى أن يهيم على وجهه باحثاً عن فرصة عمل يعيش منها، بعد أن سدت الدنيا أبوابها في وجهه، وكيف ظل يتنقل من عمل إلى آخر، وما أن يكمل شهراً في أية شركة حتى تفاجئها الكوارث فإذا تنبه مديرها لأمره فإنه ينقذ الشركة أما إذا كان من المتعلمين والمتنورين الذين لا يصدقون أمثال هذه الترهات البالية، فإن النتيجة هي إظهار الإفلاس بعد وقت وجيز…

كان يتحدث وهو ممتلئ بالألم والحسرة في سريره بأحد المستشفيات وكان صديقه الوحيد يستمع إليه بكل هدوء، فقد جاء ليخبره أنه مصاب بمرض قاتل، وأن أيامه في الدنيا باتت معدودة، ومن باب الوفاء للصداقة كان لابد له أن يخبره بذلك ويودعه، وعاد صاحبنا الأستاذ نحس ليكمل حديثه، أنه لما يئس من الدنيا قرر أن يضع حداً لحياته، فرمى نفسه تحت شاحنة، ولما شاهده سائق الشاحنة حاول أن يتفاداه، وبحركة لا إرادية انحرف عنه ليدخل هو والشاحنة في مقهى مكتظ بالزبائن، ويمسح في دقائق، عشرين زبوناً كانوا يرتشفون القهوة بكل هدوء، بينما صدمه هو سائق دراجة قادم من الجهة الأخرى!

وأخذ يرشف ما تبقى من أنفاس السيجارة التي سقطت من يده على أرضية المستشفى شديدة اللمعان، والتي نظفها أحد العمال بمادة الكحول ليشتعل المشفى بأكمله، ويلتهمه حريق هائل أتى على كل شيء فيه، وغطت الصحافة ومحطات التلفزيون الحادثة، وتحدثوا إلى  الناجين الذين كان صاحبنا من بينهم، ليخبرهم أن القدر وحده أنقذه

فقد بدأ الحريق من غرفته لأسباب مجهولة…

لمي معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار