أبواب وشبابيك…

الوحدة 5-4-2021

يقولون عندما يدخل الفقر من الباب يهرب الحب من (الشباك)، وبين الشبابيك والهروب علاقة أزلية، كما أن بين الحب والشباك في أدبيات السينما العربية علاقة وطيدة وقديمة، والفقر إذا دخل فإن من الصعب خروجه أما الحب فإنه يتسرب كما يتسرب الماء من بين الأصابع وعلى رغم أن الحب لا يعترف إلا بذاته، فإن للحياة متطلباتها كما لها نواميسها وقوانينها ولكن هل هناك أشياء أخرى وأسباب ثانية يهرب لأجلها الحب من الشباك وهي أخطر من الفقر وأشد وطأة من الحاجة!

ألا يهرب الحب إذا غاب التفاهم؟ وألا يهرب الحب إذا دخل الشك من الباب، ومع أن الشك بطبيعته لص خفي يدخل خلسة ليفتش الجيوب، ويشتم رائحة الملابس ويدقق في ملامح الوجه باحثاً عن أدلة قاطعة تثبتت حججه وتكرس تهمه، والمرأة إذا شكت في زوجها عليها أن تواجهه بشكوكها، لأن الحياة مع الشك مثل الحياة في الجحيم، بل أن جحيم الشك ألسع ناراً وأعظم عذاباً، وعلى الرجل الذي يشك في زوجته أن يراجع نفسه فإذا اكتشف أن الخلل فيه، عليه أن يترك زوجته لحال سبيلها عبر طلاق شرعي دون أن يعيشا معاً في عذاب لا ينتهي، وآلام لا حصر لها أقلها الشعور بالدونية وعندها على أحدهما أن يفتح الباب ويخرج إلى غير رجعة تاركاً للآخر حرية الاختيار..

أما إذا دخلت الغيرة من الباب فإن الذي يهرب من الشباك هو السكينة والهدوء وراحة البال، وما أدراك ما راحة البال، فالقليل من الغيرة يفيد مثل القليل من الملح في الطعام، أما الكثير منها فيفسد الحياة كما يفسد الكثير من الملح الطعام، والغيرة مرض قاتل إذا تجاوزت الحد المعقول، وهي سلوك غريزي يوحد عند الإنسان وفطري يحفظ الروابط ويقويها ولكن ماذا لو دخل البخل من الباب فأي شيء يهرب من الشباك؟

البخل عادة مذمومة خاصة عند الميسورين من الناس، وللأسف هو أكثر انتشاراً بينهم من الفقراء، بل أن العديد من الأسر محدودة الدخل أفضل حياة من أصحاب الثراء الذين لاهم لهم سوى تكديس الأموال تاركين زوجاتهم وأبناءهم كالأرامل والأيتام فإن الذي يهرب من الشباك، عندها  هو الأمان والاستقرار والتراحم ولهذا يتمنى الكثير من أبناء الأغنياء وفاة آبائهم البخلاء ،لما يلاقونه من محاسبة يومية على المال ولما يعانونه من شظف العيش في حين لدى آبائهم ما لو وزع على شعب بأكمله لسد حاجته فإن أمثال هؤلاء الآباء لا يتعظون أبداً وينتهي بهم الحال معزولين في دور رعاية المسنين دون أن يجدوا بقربهم من يرحم شيخوختهم، فمن يزرع الريح يحصد العاصفة، والسؤال هل من الأمان أن نوصد الأبواب ونقفل النوافذ حتى نحافظ على الحب، فلا يدخل عليه شيء يجعله يفر مطلقاً ساقيه للريح؟

والجواب هو لا لأن أفضل شيء من الممكن أن نفعله في حياتنا هو ترك أبوابنا وشبابيكنا مفتوحة ومن يفعل ذلك فإنه يعيش سلاماً داخلياً وشعوراً بالأمان لا حدود له إذ أن الشعور الحقيقي بالأمان ليس عندما نغلق الأبواب والشبابيك وننام بل عندما نقدر أن ننام مع أن أبوابنا وشبابيكنا على مصاريعها…

لمي معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار