صدق نيسان… وكذبتنا!

الوحدة 29-3-2021

 

 

أعشق نيسان ككل من يعشقون الربيع، وأكره الكذب ككل من يحبون الصدق،

إلا أنه لا ضير عندي أن يجمع نيسان في أول أيامه بين جمال الربيع وقبح الكذب،

ليس إيماناً مني بجدوى الكذب الذي لم يغرني يوماً من أنصار حلوله السريعة المؤقتة، أو من المؤمنين بضروراته الملحة، حتى وإن كان لا يوجد هناك مخلوق بشري، وأنا منهم طبعاً، معصوم أو لم يكذب في حياته أبداً.. إلا أنني أبادل قبحه بشعور أقبح منه، وهو الكره، حتى في أقصى ضروراته التي لا مفر منها، ذلك أني أبغضه بجميع ألوانه البيضاء منها والسوداء، ولاتزال أبشع الحقائق في نظري أجمل من أحلى الأكاذيب وألطفها.

أما عن التصالح الودي بيني وبين الأول من نيسان (يوم الأكاذيب السنوي) فهو وضوحه وصدقه واعترافه العلني أنه يوم للكذب، أحياناً أشفق عليه لأننا نستغله لنكذب على أنفسنا ونكذب على الكذب نفسه، فندعي أنه يوم كذبنا، وننسى أن الكذب لم يفارقنا خلال الثلاثمائة والأربعة والستين يوماً الباقية،  وأن لهذا الماكر المخادع هواة دائمين، ومحترفين متمرسين يقيسون به ذكاءهم وغباء الآخرين وجنوداً مجندين من قمة الهرم إلى أسفل السفح في خدمة المصالح الفردية والجماعية الضيقة والواسعة، وكواليس يطبخ فيها على مهل لتخرج لنا الحقائق على غير حقيقتها، ونسًاجين يحيكون الأغشية أمام عيوننا حتى لا نرى غير الكذب ونصدقه،

بريء نيسان منا، بل نحن الذين نكذب عليه تبلياً وظلماً، حين نسقط عليه أبشع مساوئنا (الكذب)، ونحمله وزرها، بينما الكذب داء مزمن فينا، يعيش في خلايا ضعفنا البشري وخوفنا وطمعنا وجشعنا ومصلحتنا وطموحنا الذي لا يبصر غير نفسه.

لا يخلو من الكذب تاريخنا الذي يكتبه المنتصرون، فيسقط جزء من حقائقه مع راية المهزومين، ولا حاضرنا الذي تحركه المصالح الخاصة أكثر منها العامة والإنسانية، ولا إعلاناتها المعدة لاصطيادنا، لا تخلو من الكذب أخطاؤنا التي نداريها بكذبة حتى نبدو كاملين أو بريئين وعلى الرغم من كل ذلك نجعل يوماً خاصاً للكذب!

هل لنشبع نهمنا؟

أم لنبرئ أنفسنا؟

أم لنزيد من جرعة متعتنا في استغباء غيرنا؟

مهما كانت أسباب الأول من نيسان أو تاريخ منشئه، لست أرى فيه سوى أقل الأيام كذباً على الإطلاق، إذ يكفي أن أكاذيبه واضحة مكشوفة إلى حين، بل يكفي أنها تكشف عن نفسها لتعترف وتقول: أنا كذبة نيسان، من دون  أن تلبس أقنعة التخفي أو تدعي الصدق أو تخطط لغاية غير المزاج وإن كان ثقيلاً، وغير الضحكة وإن كانت مغتصبة يكفي أنها خالية من النوايا المبطنة ومن الدهاء والمكر ومن النفاق الاجتماعي ومن المؤامرة والخبث.

يبدو الأول من نيسان طفلاً بين الأيام تتدفق البراءة من وجهه، ممزوجة ببعض الغباء وقلة الحنكة ويبقى قريباً من القلب على رغم رذالة أدواته، لا شيء سوى أنه صادق الصورة صريح اللسان..

يبدو الأول من نيسان أصدق أيامنا لذلك لا نحقد عليه ولا نكرهه.

لمي معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار