من دون زيارات..

الوحدة 29-3-2021

 

على فراش مرضي, كنت أهيمُ بخيالٍ جائعٍ, فأقول في نفسي: لو شُفيت سأفعل كذا وكذا.

بعد خروجي متعافياً, اصطدمت بواقع لا يُمكنني إنجاز أدنى ما يمكن فعله, فتكاليف العلاج ذهبت بكل شيء, والأصدقاء أبعدتهم العدوى, وآخرون ظنوا أنَّ تواصلهم معي إتلاف ومضيعة لنقودهم ولأوقاتهم المترفة.

لأول مرةٍ أشعر وأنَّ ذاكرتي لا لزوم لها, ويقظتي كغفوتي في سبات, ولا أصلح إلا ضيفاً في مقبرةٍ تتسع للتأمل ليل نهار.

ولأنني ممن يقدِّرون آداب الزيارة, كنت أحمل الرَّياحين والأزهار وشتول الزراعة, فأزرع وأعتني بالركن الذي أجلس فيه, وهو مجموعة قبورٍ, بعضها تمَّ الإفصاح عن اسمه, وبعضها منسيٌّ منذ عقود.

لم تمضِ بضعة أسابيع إلا وقد تغيرتِ المعالم إلى فسحة انتظارٍ للزوار, وصار وجودي إزعاجاً واستهتاراً, فتحوَّل مكوثي إلى داخل جدران منزلي, ولكثرة الأوقات التي أمضيها فيه, أشعر بالجدران تتحرَّك هي الأخرى, فأجدً نفسي في الأزّقة, تماشياَ مع قدمَّي المنهكتين بالسّنين والأعوام.

وأخيراَ صرتُ نزيلاَ دائماَ في مشفى للأمراض المزمنة, من دون زياراتٍ تقطعُ إقامتي, أو تجعلني مصدرَ إزعاجٍ أو استهتارٍ, فأجواء المشفى تساعد في ذلك, فأرضخُ لأجواء التعقيم والروائح المفعمة بمغادرة هذا العالم.

سمير عوض

تصفح المزيد..
آخر الأخبار