في حضرة بلقيس..

الوحدة 26-3-2021

لا تنقطع قصص التّاريخ عن نساء شهيرات، تسيّدن أقوامهنّ أيّما سيادة، وارتقوا بها.

ونحن العرب السّوريّين خير أمّة تتفاخر بنسائها الماجدات منذ فجر التّاريخ وانبلاج نور الحضارة من جبين أرضنا الأصيلة إنسانيّة ورفعة.

وما زالت حكايا أفروديت، فينوس، عشتار، إنانا وإيزيس تفوح عطراً لا يخبو بين جنبات التّاريخ، تلهج بها ألسنة الثّقافة حول العالم، في كلّ زمان و مكان.

لم تك وقتها الأنثى ناقصة عقل، ولا عورة، بل كانت آلهة، منبع الحب وخصوبة الحياة.

الأنثى أمّ الذّكر، حبيبته وابنته، وبذا تكون الأغلى والأوفى في حياته، الأسّ والأساس، السّند والصّديقة الصّدوقة منذّ أوّل صرخة للولادة حتّى آخر رفّة عين.

في مقاربة سريعة لصيرورة التّاريخ نجد أنّ الأمم التي عاملت الأنثى بفوقيّة ناجمة عن منطق ذكوريّ التّفكير هي أمم عانت ما عانته من تخلّف و تراجع حضاريّ وفكريّ، لم تتخلّص منه إلّا بإعلاء شأن الأنثى ومنحها حقوقها كاملة، غير منقوصة، فأصبح حظّها مثل حظّ الذّكر لا مثل نصفه.

(إن كيدكنّ عظيم) لم تكن هذي العبارة ذات دلالة سلبيّة أو إنقاصاً من كرامة المرأة، هي إشادة بذكاء المرأة وعبقريّتها في العمل والتّدبير، و لكنّ الخلل استقرّ في الفهم، وإشاحة الوجه والعقل عن الحقيقة.

ولا يغيب عن ذهن الجميع عرش بلقيس العظيم، تلك الملكة العظيمة التي حكمت قومها واشتهرت بالحكمة وحصافة الرّأي، فحفظت أسفار التّاريخ ذكرها بأحرف من نور.

(وراء كلّ رجل عظيم امرأة) رعت وضحّت، دبّرت و كادت في سبيل ارتقائه إلى أسمى الدّرجات والمراتب، والمجتمعات المتحضرة، الرّاقية مجتمعات أدركت بوعي تامّ أنّه لا فكاك من الانحدار والتخلّف إلا بمنح الإنسان القيمة الفضلى من دون النّظر إلى جنسه، وإسقاط أيّ موروث فاسد المنطق والحجّة.

لن نستسلم لأحكام المجتمعات الذّكوريّة، لن نكون مخلوقات من الدّرجة الثّانية.

لصالح الأنثى و الذّكر على حدّ سواء سنرتقي بواقع المرأة، لأن المرأة القويّة و الشّامخة أساس قوة الذّكر قبل الأنثى، و كلمة السّر في عظمة المجتمعات و مجدها الأثيل.

لأجل وطننا.. لأجل أبنائنا و أحفادنا.. و مستقبل هذه الأرض المقدّسة نرتقي بكلّ ما أوتينا

من عزيمة و إيمان بالإنسان، نرتقي برسالة أمّتنا الخالدة حضاريّاً و إنسانيّاً.

في شهر آذار، شهر العطاء و الخير، شهر أعياد المرأة نرفع رايات العزّ و الشّرف و الكبرياء لكلّ ماجدة سوريّة كانت و ستبقى أبد الدّهر رمز الحياة و أسّ الكرامة، ترفع القواعد من البيت العامر أصالة و فخراً.. و كلّ ربيع و أنتنّ الخير و الأمل الوارف فرحاً.

نور محمد حاتم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار