كتب الأطفال .. و التحدّيات التكنولوجيّة

الوحدة 17-3-2021

 

 

لا يختلف اثنان على التحديات المتزايدة التي تفرضها التقنيات التكنولوجية على مجتمعاتنا وأسلوب حياتنا وسلوكنا الخاص والعام وكذلك على طرق التربية التي نتبعها مع أطفالنا ونعتمدها كبديل بات يتحدى كل عاداتنا وسلوكياتنا اليومية. ( لقد خلقنا عالماً اصطناعياً مسلياً لأطفالنا. ففي مجتمعنا المعاصر، نحن كلنا مشغولون لذلك نعطي أجهزة الكترونية لأطفالنا لنبقيهم مشغولين . هذا ما أوردته الباحثة – فيكتوريا برودي – وهي معالجة مهنية ولديّها سنوات من الخبرة مع الأطفال والأهل والمعلمين في دراسة قدمتها حول التردي في الأداء الاجتماعي عند أطفالنا وقد أكدت فيها أن السبب الرئيسي في ذلك يرجع إلى التسلية بدون حدود التي نوفرها لأطفالنا بحيث أن التكنولوجيا حلت محل اللعب في الهواء الطلق، كما أنها جعلت الأهل لا يتحملون مسؤولية التفاعل الاجتماعي مع أطفالهم. و بديهياً أن يتأخر أطفالنا فهذه الأجهزة ليست مؤهلة لمساعدتهم على تنمية مهاراتهم الاجتماعية) . وفي هذه السطور نوجز أهم ما جاء في بحث يقارب ما أوردته الباحثة في دراستها ولكنه يدور حول تأثير التكنولوجيا على الكتابة للطفل ومدى التحول الذي قلب المعايير التقليدية فيها وهي دراسة قدمها الباحث أحمد ناصر بعنوان : الكتابة الطفليّة أمام تحدّيات التكنولوجيا . وقد انطلق فيها من الافتراض أنّ الكتابة الطفليّة لا زالت تقف أمام تحدّيات تكنولوجيّة متدفّقة أصبحت تطغى على جميع مناحي الحياة وتفرض آثارها على الكتابة الطفليّة. بداية أشار الباحث إلى أن الكتابة الطفليّة تواجه عدداً من التحدّيات المعيقة للإبداع الأدبيّ الخاصّ بالأطفال، ولعلّ من أهمّها: هيمنة التّكنولوجيا على الكتابة الطفليّة. أي انصراف الأطفال عن الكتاب الورقيّ المعروف إلى وسائل الاتّصال التّكنولوجيّة الحديثة. الأمر الذي جعل الكاتب القاصّ أو الشّاعر يشعر بالغربة عن عالم الأطفال ويخشى أن يكون أدب الأطفال منعزلاً عن واقع الحياة الاجتماعيّة والمعرفيّة. كلّ ذلك في زمن تفجُّر التّكنولوجيا الالكترونيّة الحديثة وطغيان أذرع الشّبكة العنكبوتيّة التي تصل بسهولة إلى أيدي الأطفال سواء كانوا في البيت أو في الشّارع أو في المدرسة. وعن الأفق غير المحدود لهذه التقنيات الحديثة ذكر الباحث أن هذه التّطوّرات التّكنولوجيّة التي ما فتئت تخطف أبصار الأطفال وتشغل عقولهم، تجاوزت بتقنيّاتها العالية الكتابَ الورقيّ التقليديّ وأنتجت أعمالاً أدبيّة وتثقيفية جديدة في الكتابة الطفليّة الإبداعيّة التي لم تعد محصورة بالأناشيد، والأغنية، والقصّة المصوَّرة المطبوعة في كتاب أو مجلّة. وبالمقابل، ظهرت برامج وألعاب محوسبة جديدة للأطفال لن نفهمها إلا من خلال مشاهدتنا لهم وهم يلعبون ويضربون على مفاتيح شاشة الحاسوب بسهولة وبراعة. فلم يعد إقبال الطّفل على القراءة مقصوراً على طريقة صنع الكتاب الجيّد وإخراجه بشكل جذّاب، أو على اختيار النّصّ الشّعريّ الذي سَهُل معناه وخفّ إيقاعه الموسيقيّ، أو على القصّة المصوّرة بأجمل الألوان. بل ارتبط الأمر بمعطيات ملموسة جديدة؛ فقلّة القراءة على سبيل المثال، أصبحت ظاهرة عامّة مرتبطة بالتّكنولوجيا الحديثة، والصّورة المتحرِّكة النّاطقة، ورؤية مشاهد قد لا تحدث إلاّ في الخيال. ممّا لا يمكن أن يتحقّق في الكتاب الورقيّ المألوف. إذ أصبح عالم الهواتف الذكيّة والانترنت هو الأرضيّة التي تشكّل ثقافة الطّفل العامّة، بما فيها من جيّد ورديء، كلّ بحسب قدراته الذهنيّة والتخيليّة. ويتابع الباحث حديثه بالتأكيد على دورهذه التقنيات الذي أخذ يفرض نفسه على مجتمعاتنا كواقع يومي معاش بكل أبعاده وجوانبه السلبية والإيجابية بالقول : لقد بات في حكم المؤكد، أنّ في عصر العولمة والتطور التكنولوجي الذي تجذر في كل جوانب الحياة، لا يمكن أن نمنع أطفالنا من استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة التي أدهشت عقولهم، وسلبت أوقاتهم، وأصبحت لا تفارقهم في نشاطات حياتهم اليومية. ومن هنا تأتي خطورة إبحار الأطفال في شبكة الانترنت بواسطة الحاسوب البيتيّ أو عن طريق استخدام تقنيّات الهواتف الذكيّة المحمولة في جيوب الأطفال، ولعلّه من غريب الأمر أنّ يتمّ ذلك بحضور الأهل، وبدون أساس معرفة وثقافة يقفون عليها تحميهم ممّا يصل إليه الأطفال من أفكار ومعلومات بعيدة عن مفاهيمنا وتقاليدنا الاجتماعيّة، وعاداتنا اليوميّة. وعن الحلول التي طرحها الباحث في دراسته فقد اختزلها في أولوية إعادة النّظر في تربية أطفالنا، وضرورة مراجعة اهتماماتنا بثقافة الطّفل وتطوير بنيته الفكريّة والإبداعيّة والذّوقيّة، ومن ثمّ العمل الجاد من خلال وضع خطّة لمشروع متكامل يُشرف عليه نخبة من الكتّاب والشّعراء المحليّين القادرين على مواجهة هذه التّطوّرات التّكنولوجيّة التي تتعارض مع قضايانا التّربويّة ومصالح أطفالنا التّثقيفيّة. فقبل عقدين من الزّمن، كانت معظم البيوت تضمّ مكتبة صغيرة لجميع أفراد الأسرة، واليوم بتنا نلمس عدم اهتمام الأسرة بهذه المكتبة الصّغيرة. بكلمات أخرى لم تعد العائلة تهتمّ بثقافة الطّفل وترغيبه بالكتاب أو إثرائه لغة وذوقاً ، متجاهلة أثر التّوجيه والإرشاد في الصِّغَر. ولا يُخفي المربّون مخاوفهم من الإدمان التلفزيونيّ والمعلوماتيّ لدى الأطفال، وقد بلغت هذه المخاوف حداً مريعاً جعل الكثيرين من هؤلاء المربّين ينادون بالتّخلي عن التلفزيون نهائياً، ولا يختلف الموقف من تطوّرات تكنولوجيا المعلومات كثيراً ، ولا سيّما ألعاب الفيديو والحاسوب، لأنّ ذلك بالنّسبة إليهم – أشبه ما يكون بالطّعام الرّديء . والمفارقة الساخرة، أن الأهل كانوا يقدمون لأولادهم في مناسبات التّفوُّق والنّجاح مجموعة من الكتب والقصص كهدايا تقديراً لتفوّقهم ونجاحهم، فنراهم اليوم يستبدلونها بالهواتف الذكيّة وغيرها من الأجهزة الالكترونيّة الحديثة التي تجعل الطّفل أكثر بُعداً عن القراءة، وأقلّ ألفة مع الكتاب والمدرسة. وخلص الباحث في ختام دراسته إلى القول: بأنّ اهتمام الطفل العصري بوسائل التكنولوجيا الحديثة أصبح أمراً طبيعياً ، بل ضرورة محتمة؛ فلا يعقل أن نمنع أطفالنا من استخدامها في نشاطاتهم التعليمية والترفيهية، ولعله من المهم جداً أن يجعل الأطفالُ التكنولوجيا جزءاً من نشاطاتهم ليتمكنوا من مواكبة التطورات العصرية المتلاحقة. ومن هنا فإنّ الكتابة الطفليّة بحاجة ماسّة لتعاون جميع صنّاعها، بدءاً من مؤسّسات التربية والتّعليم، مروراً بالمؤلِّف والنّاشر، وانتهاء بالأسرة. وأشار الباحث إلى أنّه هناك ضرورة ملحّة بأن يقوم مُعِدّو برامج الأطفال الالكترونيّة ومصمّمو المواقع على شبكة الانترنت بتحويل المواد الثقافيّة والنّصوص الأدبيّة العربيّة المكتوبة للأطفال على الورق إلى مادّة أدبيّة الكترونيّة نابضة بالحياة، والجاذبيّة، والحركة، مع ضرورة استخدام المؤثّرات البصريّة والسّمعيّة ، ومن ثمّ تحويلها إلى لوحات فنيّة تنبض بالجمال والمعاني الدّالّة بما ينسجم مع قدرات الطفل العربيّ. فنحن بحاجة لتغيير نمط حياة أطفالنا وإثراء قدراتهم الذهنية التي تعودت استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة بما فيها الكتاب التكنولوجي – الديجيتالي – وإلاّ سنبقى نجرّ أذيال التخلّف الفكريّ متوهِّمين أنّنا نسير في الطّريق السّليم.

فدوى مقوص

تصفح المزيد..
آخر الأخبار