ركض الوحوش

الوحدة: 17-3-2021

 

 

تسير الحياة بإيقاع في غاية السرعة ، ويتسابق فيها الناس راكضين ركض الوحوش خلف السراب الذي اسمه الدنيا ذلك السراب الخادع الذي نفني أعمارنا ونحن نلهث خلفه ، حتى إذا أدركناه فرّ من بين أيدينا ، ولاح لآخرين غيرنا جاء دورهم في الركض خلفه.. ومهما نادينا عليهم لنخبرهم الحقيقة ، فإن دقات قلوبهم من شدة الركض تسد آذانهم فلا يسمعون شيئاً ويستمرون في الجري حتى تنتهي أعمارهم ، وهكذا دواليك في حلقات مفرغة يُفضي بعضها إلى بعض ، وقد وصل ما بين حلقاتها مبدع يتقن ما يصنع. إنها الحقيقة الكبرى التي يجب أن يخبر عنها الحاضر الغائب وهي حقيقة مهزلة الحياة وتفاهة حطامها ، ومأساة الراكضين خلفها دون وعي ، والمفنين أعمارهم في سبيل الوهم الظاهر للناس جهاراً نهاراً يخبرهم بلسان الحال ولسان المقال أنه الوهم الكاذب ، ولكنهم يستمرون في حلبة السباق الأكبر وهم في أثناء ركضهم الوحشي يتصارعون أيضاً عليه ، ويتعاركون كما تفعل ذوات المخلب والناب ،.ويصرع بعضهم بعضاً في معركة تقع كل يوم مع أول خيط من خيوط النهار ، ولكنها لا تكاد تنتهي حتى تبدأ من جديد.. وأغرب ما في الأمر كله أن ما للإنسان في دار الفناء التي اسمها الحياة مُحدد ومُقدر مهما ركض الراكضون ودافع المدافعون.. فعلى أي شيء إذاً ،كل هذا الصراع ما دمنا قد عرفنا الحقيقة الأولى وهي أننا نطارد سراباً ، والحقيقة الثانية إن ما لنا من نصيب في هذا الصراع ومن هذا السراب سبق تقديره وتحديده من لدن خالقنا العظيم الواحد سبحانه الذي حدد أرزاقنا ومصائرنا ؟! فلماذا كل هذا العبث إذا ؟! وما هي النتيجة من التصارع والتقاتل ما دامت الأمور قد حُسمت ؟! وكيف لنا أن نضيع أعمارنا سُدى مع أمر محسوم ، وقدر محتوم ، وغاية لا نعرفها أنبلغها أم نسقط قبلها ؟! ولهذا رسالتي إلى كل الوحوش الراكضة أن تتوقف وتسأل نفسها أيستحق الأمر منا أن ننسى أطفالنا وزوجاتنا ووالدينا وأهلنا ونقضي بياض النهار وسواد الليل من أجل لا شيء ؟! أيعقل هذا ؟! وهل نحن عبارة عن آلات من لحم ودم أو روبوتات متقدمة تظل تعمل حتى الرمق الأخير ؟! أنها دعوة لمراجعة النفس وقضاء دقائق معها نستعيد بها ما قد نخسره من أعمارنا ، تلك الخسارة التي لا يمكن أن نشتريها بكل حطام الدنيا الفاني فهل من وقفة ، ولو قصيرة للتفكير وإعادة النظر ؟

لمي معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار