الوحدة 3-3-2021
ينبغي أن يكون أسلوب الإنسان مُنسجماً مع هويته وطبيعته البشرية شأنه في ذلك كشأن لباسه الذي ينبغي أن يكون مُتناسقاً مع جسده وقد ثبت بما لا يدع مجالاً للريب أن الإنسان مُنفعل بالصفات الكثيرة التي يتمتع بها، وليس فاعلاً باختياره لشيء منها فهو يتمتع بالعقل والفكر والحكمة ولكنه لا يملك سبيلاً للتصرف بهذه المزايا فلا هو غرسها في كيانه بإرادة منه ولا هو يملك سبيلاً لاستبقائها لديه، ولعل الشرود بالوظائف الإنسانية السلبية بعيداً عن جملة ضوابط الأعراف المجتمعية يتعارض مع مستوى التكريم البشري الذي يكون عندها فعلاً مفصولاً عن الأهداف المجيدة لعموم الناس مع ملاحظة دقة موضوع الرعونة الهابطة التي تُعد وصفاً جلياً لحالة سوء التعامل وفيصلاً ما بين الحق والباطل والخير والشر والإنسانية والوحشية في كثير من الأحيان.
تُؤكد مجمل الدراسات العلمية والأبحاث الميدانية على أن التربية الديمقراطية تُنتج للطفل المناخ الأفضل و البيئة الأمثل للنمو والترعرع والازدهار، وتسعى السياسات التربوية إلى تبني النظريات الحديثة في مجال التربية والتعليم رغم بقاء بعض صور مظاهر العنف بين جدران المدارس والفعاليات التربوية المختلفة ومما لا ريب فيه بأن العنف التربوي يقود إلى إنتاج الشخصية السلبية التي تعتريها روح الضعف والقصور والهزيمة وإعاقة عملية النمو والتكامل والازدهار الإنساني، ويتميز مفهوم (الإرهاب التربوي) بالاتساع والشمولية وذلك بالقياس إلى مفهوم العقوبة التربوية التي تُشير بمعناها إلى الفعل السلبي الذي يقع على الطفل بهدف منعه من ممارسة فعالية سلوكية أو تربوية محددة و يمكن التمييز بين جوانب مختلفة من العقوبة التربوية و منها:
– مصدر العقوبة
– نوع العقوبة
– سبب العقوبة
– غاية العقوبة
– أثر العقوبة
ما زالت أساليب التربية التقليدية تُهيمن بشكل واسع في الأوساط الاجتماعية المختلفة وهي تتباين بالطبع وفقاً لتباين مستوى الوعي التربوي والثقافي معاً وببساطة يمكن للمتابع إدراك طابع العنف الذي يُهيمن على العلاقات القائمة في إطار الأسرة التقليدية، ولعله من أهم الملامح الأساسية للإرهاب التربوي التي تنعكس سلباً على تكوين الأطفال الروحي والعقلي تبرز في:
– المنازعات الزوجية و الخلافات العائلية.
– أساليب التهديد التي يُمارسها الكبار على الصغار.
– الشجار الدائم بين الإخوة والمترافق مع الضرب والشتائم.
– الأحكام السلبية التي يصدرها الأبوان على الطفل.
وإذا كانت ممارسة العنف قد تقلصت تقليدياً إلى حدودها الدنيا فإن التجربة والملاحظة تشيران إلى ممارسة أنماط جديدة من العنف يُبديها بعض القائمين على الفعاليات التربوية المختلفة ومنها استخدام كلمات تبخيس وعبارات تجريح متناهية الفظاظة وما أنزل الله بها من سلطان، ومن المعلوم بأن المجتمع الحالي يطبع نظامه التربوي بطابعه الخاص إلى حد كبير لأن هذا النظام التربوي هو الأداة التي يُكرس فيها المجتمع وجوده الحضاري وعلى خلاف ذلك فيؤدي هذا النظام التربوي وظائف التجديد والإبداع كما يقوم بتمثيل التغيرات الحضارية والقيم الثقافية بما ينسجم والتطلعات المجتمعية نحو النهوض الحضاري.
من الممكن جداً التعلم والتعليم في أي مرحلة من مراحل الحياة الإنسانية ولكنه من المُتعذر إعادة تربية الذات أو حتى الآخرين بعد فوات الأوان فالتربية هي عملية تفاعل دائمة بين الفرد والبيئة التي يعيش فيها وتتم صياغة الإنسان وفقاً لجملة المؤثرات والخبرات التي يعيشها في إطار بيئته الاجتماعية، وبالتالي فإن نموه مرهون في نهاية الأمر بمدى ما تتيحه له هذه البيئة من حرية التطور والازدهار، وإذا كانت البيئة تُشكل التربة التي ينمو و يترعرع فيها الإنسان فإن الحرية والحنان هما بمنزلة الشمس والدفء الذي يُحيط بالشجر وكما أن التربية الديمقراطية تُتيح للطفل المناخ الصحي والسليم فالعنف من شأنه أن يُحقق عملية استلاب شاملة للإنسان ويمكن تحديد أهم النتائج والآثار التي تتركها التربية العنيفة على شخصية أفراد هذا الجيل بما يلي:
– تكوين عقد الذنب الدائمة
– تعطيل طاقات الإبداع والابتكار الفعلي
– إنتاج الشخصية الانفعالية
– الإحساس بالضعف وعدم القدرة على تحمل المسؤولية
يكمن جوهر الإنسان في قدرته على التفكير النقدي الفاعل وبالتالي فالتسلط من شأنه سلب وتفريغ جوهر الإنسان وقتل طاقة التفكير المُبدع لديه وحرمانه من هامش الحرية الضروري لتفتح جوانب شخصيته.
د. بشار عيسى