الأسباب الغامضة لتأخر الأزواج في الدوام !

الوحدة : 28-2-2021

 

 

سؤال كثيراً ما يتردد إما على لسان المرأة وإما في عقلها، وكثيراً ما وقفت إحداهن برأس مائل إلى اليسار وقبضة يدها اليمنى على خصرها لتقول لزوجها في خضم شجار حاد ، (لو أنك تعطي بيتك نصف الاهتمام والوقت الذي تعطيه لعملك لكانت الدنيا بألف خير)..

لكن الدنيا ليست بألف خير أبداً!..

في إحدى المرات قالت امرأة متحذلقة  لزوجها (أريد أن أعلم بالضبط هل تزوجتني أم تزوجت أحداً ما في العمل؟) وكثيراً ما اكتفى في رده عليها بأن أقفل عليه باب غرفته ونام.

كل ذلك بالطبع يضاف إلى الشبهات المتعلقة بالأسباب الغامضة للغياب تحت ذريعة العمل والدوام  (المطاطي) ليست غاية هذا المقال التطرق لتلك الشبهات، إنما غايته تنحصر في تسليط بعض الضوء على دوافع الرجال الذين يتأخرون في دوامهم، هل يأتي ذلك من باب الإخلاص الزائد على الحد تجاه العمل؟ إن كانت كذاك، فلماذا ينسى الرجال أنه يتعين عليهم إثبات شيء من ذلك الإخلاص تجاه البيت أيضاً؟ لابد أن في الأمر سراً يحجب تلك الرؤية عن عين الرجل، أو لعله يحجبها عن عين المرأة.

تراها حالة إدمان جماعية تنتاب آلاف الرجال، أم لعلها ظروف العيش القاسية التي تجعل الرجل أكثر تشبثاً بعمله من تشبثه بعائلته أياً كان الوضع، فالثابت أن حالة إدمان العمل موجودة ومعروفة لدى الناس، والعديد من الرجال متورطون فيها، وكثيراً ما يطلق خبراء علم النفس على من يصاب بتلك الحالة أي مدمن العمل، بمعنى أنه يشتغل ويشتغل مدفوعاً بنوازع شبه قهرية حتى أن بعض الناس يصبحون كالآلات التي لا تقوى على التوقف.

لكن المسألة بدت بالنسبة لخبراء اجتماعيين بعيدة عن فردية علم النفس، إنها إلى سيكولوجيا النوع.

قل لي بربك لماذا هذا النوع من الإدمان مقتصر على الرجال من دون النساء؟ أليست المرأة اليوم تعمل مثلها مثل الرجل؟ وقل لي أيضاً لماذا يتقن الرجال فن التواصل في العمل من خلال البريد الإلكتروني الداخلي والمذكرات الصادرة والواردة واجتماعات عصف الذهن وورش العمل والهواتف التي لا تهدأ؟ ثم عندما يعود أحدهم إلى البيت وتسأله زوجته (ما رأيك بفستاني الجديد) بالكاد يرد عليها بهزة رأس وثلاثة أحرف.. حلو! 

ولماذا يتفتق دماغ الرجل عن حلول مبتكرة لمعظم مشكلات العمل التي تعترضه، أما في البيت فكل مشكلة تستدعي منه الصراخ وتحميل اللوم على (الآخر) ما يصب الزيت على النار ويشعل المزيد من نار الخلاف؟

لماذا يكون الرجل مستعداً في عمله للتعامل مع أمور تبدأ من الخطط الاستراتيجية للشركة نزولاً حتى نظافة حمامات المكتب أما في البيت فتهبط عليه فلسفة مفادها أن الله خلقه للأمور الكبيرة حصراً، أما صغائر الأمور فهي للزوجة فقط ، وليس لديه أدنى استعداد لمناقشتها أو إعطاء الرأي بشأنها؟

لماذا لا يكتفي الرجل في عمله بأداء متوسط أو عادي، بل يسعى نحو التميز والجودة، أما في علاقته الزوجية فالجيد بالنسبة إليه أخ المتوسط، والمتوسط أخ الرديء، المهم بالنسبة له هو أن يغط سريعاً في النوم؟

لهذا كله يبدو سؤال حواء مشروعاً لماذا يستحوذ العمل على عقول الرجال، حتى إنهم يتأخرون في دوامهم وينفذون مهمات لم يطلبها منهم أحد، ولم يدفع لهم أحد أي مال لقاء جهدهم الزائد أو وقتهم المهدور في تنفيذها؟ إنهم يمددون ساعات عملهم مجاناً فهل هو مجرد (تزويغ) من البيت؟ هل هو هروب؟ أم لماذا؟

أحد الأسباب يتمثل في التفسير التالي إن الرجال يتعاملون مع الشغل بروح التنافس المحموم سواء مع الآخرين أو مع الذات منهم من يؤمن بأن زيادة الراتب سيجعلهم يشعرون بتحسن نوعي في حياتهم ما إن يتزوج الرجل، وينتهي من شهر العسل حتى يشعر بأن علاقته الزوجية من المسلمات في حياته. 

إنها بديهية لن تتعرض للضياع أو العطب مهما حصل، أما الشغل فهو يحتاج إلى (شغل) دائم من أجل ضمان بقائه، ثم من أجل تطويره ليبقى مزدهراً وقابلاً للانتقال إلى آفاق جديدة.

المقارنة بين اهتمام الرجل بعمله وبيته تجري على النحو التالي في أول مشوار الحب يحرص الرجل على أن يبدو في نظر المرأة فارساً كريماً مقتدراً لا أنانية عنده ولا كذب، بل لديه كل ما هو عذب من الأقوال والنيات والأفعال، في تلك المرحلة يكون الرجل في حالة من التنافس على المرأة التي أحب، إنه ينافس كل الناس وكل الأشياء، فهو خائف من أن يحل أي ظرف يمكن أن ينجم عنه تغير في نظرة الفتاة إليه، وعندما يظفر الرجل بفتاته ويدخلان معاً في بيت الزوجية، يبدأ المشوار العائلي وينتهي مشوار التنافس ومعه تنتفي الحاجة إلى الاستعراض.

لكن في العمل الوضع مختلف، ليس هناك وقت محدود للاستعراض والتنافس

إذ يتعين على الرجل أن يثبت لرؤسائه أنه جدير بالبقاء، وجدير بالترفيع، وحدير بالعلاوات، وجدير بترؤس الاجتماع، وأهل لتمثيل المؤسسة في الندوات… ولا تختلف النتيجة هنا في حال كان الرجل عاملاً بسيطاً أو عاملاً عاماً فالمدير العام ذاته يتنافس مع مديرين عامين آخرين تماماً، كما يتنافس العامل مع زملائه العمال.

هناك اعتبار آخر وهو أن الرجل يسعى إلى النجاح بالعمل باعتباره مصدراً رئيسياً إن لم يكن وحيداً، للشعور بالقيمة الذاتية.

كارثة البطالة…

بالنسبة للرجل اليوم تعد البطالة كارثة ليس على الصعيد المادي فقط فالبقاء بلا عمل يعني اللا قيمة واللا جدوى وانعدام المبرر للوجود أحياناً، والشيء نفسه تقريباً ينطبق على من يستمر في عمله لفترة طويلة من دون أن يحصل على المكانة أو الدرجة التي يعتقد أنه يستحقها.

صحيح أن جزءاً من دافعية الرجل للعمل وتحقيق النجاح نابع من رغبته في الحصول على المال، لكن الصحيح أيضاً أن جزءاً من ذلك نابع من رغبته في الشعور بالقيمة واحترام الذات.

لعل الفرق بين الوضعين (البت والعمل) هو كما يلي في العمل يكون الرجل أشبه برياضي يمارس لعبته في استاد يضم آلاف المتفرجين في ذلك الوضع يكون التوتر على أشده كل العيون مفتوحة وتراقب أداء الرجل وحركاته وتحصي عليه أخطاءه هناك في الملعب، عليه أن يثبت نفسه في كل دقيقة وكل حركة وعليه أن يعمل تحت الضغط لتحقيق أفضل النتائج، وهناك في الشركة عليه أن يكون موظفاً متميزاً ليحظى بمديح المدير أو بتوقيعه على قرار الترفيع سواء قبلنا الحقيقة أم لم نفعل، وسواء كان ما يقوم به الرجل خطأً أو صواباً فإن الصورة في البيت تختلف اختلافاً جذرياً ، ويمكن تلخيصها بالآتي: ليس ثمة من باعث على بذل الجهد لتحقيق التميز. 

لمي معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار