العـــــدد 9307
7-3-2019
وصلتني كلماتها متعثرة كئيبة، وروحها الرقيقة لا تعرف كيف تخبرني بفاجعتها،
فايز مات، وأنا لا أقدر على نعيه، كيف أنعيه وقد كان لقلبي النبض ولوجودي الروح…
ضاع صوت ليلى مقدسي في زحام وجعها وقهرها على شقيق غير عادي كان حاضراً دائماً لدعمها متحدياً كل الظروف والمسافات.
شقيق تقاسمت معه حب الوطن فعشقا سوريتهما حتى الثمالة، سورية وقد نبض حبها في القلب الذي خذله ولم يستطع أن يصمد إلى الساعة الثالثة ظهراً لإجراء عملية تنقذه وصاحبه، فتوقف قبل ساعات معلناً نهاية رحلة الإبداع والألم.
فايز مقدسي شاعر وكاتب وباحث صدرت له مجموعة كتب منها: (سيمياء، أبجدية الأفعى، الحبل بلا دنس، الحياة السحرية، الأصول الكنعانية للمسيحية، الساعة الناقصة) كما نشر العديد من الأبحاث التاريخية حول تاريخ الشرق الأدنى القديم ونشر العديد من الأبحاث حول الشعر الفرنسي المعاصر.
ولد في سورية، أتم دراسته الثانوية فيها ثم سافر إلى باريس ليتم دراسته الجامعية في جامعة السوربون والجامعة الكاثوليكية، حاز على دبلوم في التاريخ العربي القديم واللغات السامية المقارنة عمل في الصحافة المكتوبة وأستاذاً للغة العربية، عام 1989 انضم إلى فريق إذاعة مونت كارلو كمعد ومقدم برامج، من برامجه الشهيرة: (العوالم السحرية)، (أمواج)، (دروب القمر)، (مسافات)، (حكاية حجر)، (أفكار).
أنهى عمله في مونتي كارلو بإرادته بعد تعرضه لضغوطات كبيرة ليغير مساره الوطني وينضم إلى الحملة الإعلامية التي كانت تطبخ على نار هادئة ضد وطنه الأم سورية، تلك الحملة التي ركض إليها البعض غير مأسوف عليهم بينما رفض فايز كل العروض والمغريات واستقال متنازلاً عن كل تعويضاته ومستحقاته من إذاعة مونتي كارلو وعاد ليمضي شهوراً ثلاث في ربوع بلده ومع أهله، ثلاثة شهور مرت سريعاً لم تكف أحبته لتبرد نار شوقهم إلى حضوره الراقي وكلماته الطيبة، فهو كما وصفته شقيقته الأديبة ليلى مقدسي بكلماتها المختنقة بالدموع:(فايز لم يكن أخي، كان صديقي، توءم روحي وحبيبي ورفيق دربي، تقاسمنا معا الأفراح والأوجاع والأماني، عشقنا الكتب والكتابة، لم يكن أخا عادياً لقد فقدت روحي بفقدانه،
هاتفته مساء قبل وفاته بساعات ورجوته أن يعود لسورية كما وعدني وكما يتمنى فأخبرني أنه سيفعل حالما يشفى، واختنق صوته كما صوتي بالدمع وبأمل عابث، عند الصباح جاء صوت زوجته الفرنسية مفجوعاً وهي تنعي أخي فايز).
أجل يأبى آذار أن يرحل بسلام فلقد فجعنا برحيل فايز مقدسي مرتين، الأولى في 13/3/2011 حين أنهى آخر زيارة لبلده وسافر إلى زوجته وابنه الوحيد شام، والثانية 5/3/2019 حين أنهى قلبه المريض رحلته للحياة ليغادرنا للأبد..
فاير مقدسي كتب الآلاف من رسائل الحب لسورية ورحل وحيداً في باريس.
نور نديم عمران