الوحدة : 18-2-2021
نمت إلى مسامعنا، و ما تزال مقولة جدّ متداولة، ألا و هي (فاقد الشّيء لا يعطيه). و ربّما كان هناك كثير منّا يؤمن كلّ الإيمان بهذي المقولة بدراية وافية أو بدونها. و لكي لا نلقي الكلام على عواهنه يبدو أنّه من الأفضل لنا أن نقارب مخرجات هذه المقولة بكثير من الموضوعيّة. هل كان كلّ من حُرم العطف و الحنان في طفولته لسبب أو لآخر سيحرم بطبيعة الحال أطفاله من عطفه و حنانه؟! هل كلّ من ضنّت عليه الدنيا يوماً بضيق ذات اليد سيكره أو يمنع العطاء و الجود عن الآخرين إذا ما فتح الرزق الوفير له بابه، و قيّضت له الحياة سعة العيش؟! أسئلة على درجة عالية من الأهميّة تستوقفنا في سياق نقاشنا هذا، لتدلّل على صوابيّة الأفكار المتزاحمة في الرّأس. إذا ما نظرنا حولنا بعين فاحصة بكلّ العناية نجد أنّ كثيراً من هؤلاء الأشخاص الذين فقدوا الإحساس بالحنان و الأمان العاطفيّ في طفولتهم يمنحون أطفالهم، و حتّى أطفال الغير كثيراً من العطف كما الحنان بلا حدود. كما هنالك أناس يغدقون العطاء لكلّ من تطاله اليد ممّا ملكت أيمانهم من خير الدّنيا و رزقها، و لاسيما المحتاجين حيث ثقفوهم. و هل يشعر بشدّة وجع الفقد إلّا فاقد الشّيء؟! هل يستشعر قيمة الحرمان من الحنان و لمسة العطف في حياة الطّفل سوى من كابد ذات طفولة حرماناً قاسياً، ثلم الرّوح قبل الجسد؟ و هنا تحضرني و نحن في رحاب عيد الحبّ قصّة الرّاهب الشّهير (فالنتاين)، الذي قدّم حياته رخيصة على مذبح المحبّة، على دروب أرقى صنوف البذل و الحباء. أصرّ على تزويج العشّاق و مباركة اقترانهم المقدّس هذا في وقت كان يدرك أنّه ماض إلى حتفه لا محالة. جاد القدّيس فالنتاين بأثمن ما يملك، بكلّ الرّضا و سماحة النّفس لتزويج الآخرين، و هو الرّجل البتول، العازف عن الزّواج بحكم طقوس الرّهبانيّة. كيف لمن لم يخبر الزّواج يوماً أن يفدي العشّاق بروحه؟! ها هو فاقد الشّيء يعطيه خير عطاء، رجل استحقّ لقب القداسة بامتياز؟ كان التّعميم غالباً يطلق الأحكام جزافاً وفق منطق جدليّ يجافي الحقيقة، فيقود إلى مساقات ضالّة لا تفي الحقائق قدرها. و في ختام قولي هذا، في مقامنا هذا أقول إنّ كلّ ما يصدر عنّا من قول أو فعل ما هو إلّا انعكاس حتميّ لما يتجذّر في دواخلنا من قناعات راسخة، مكينة. فيا ليت لو أنّ لسرائرنا رائحة تشي بحقيقة الصّدور. كم كنّا سنعشق عبير البعض من حولنا!، و كم كنّا سنعاف و تكره أرواحنا روائح مقزّزة تطال أنوفنا من أناس حسبناهم أصدقاء، و هم يجانبون الوفاء بكلّ دم بارد، يمتلكون قلوباً صمّاء، و أرواحاً غير ذات نقاء. فاقد الشّيء ربّما كان أحياناً، و سيبقى أفضل و أرقى من يعطيه بكلّ سخاء و يقين مطلق. دمتم أصدقائي، و دام الخير و العطاء منهج صدق متأصّل في صدورنا أبداً.
نور محمد حاتم