الوحدة 10-2-2021
لا شك بأن حياة الإنسان لا تستقيم ولا يكون لها معنى أبداً بدون الحب شعوراً وإحساساً، فبالحب خلق الله تعالى الخلق وبالحب أمرهم سبحانه بعبادته وبالحب سيكافئ المولى عز وجل عباده الصالحين، وللوصول لمرحلة الحب المتكامل فيجب أولاً الوصول إلى درجة التسامح التام ومنه في الطريق إلى لُب روحية الحب التي تُرشد إلى مرحلة العطاء لأنه لا يمكن العطاء بدون الحب ومن غير المُستطاع تذوق الحب بدون التسامح فالأمور الثلاثة: التسامح- الحب- العطاء مرتبطة ببعضها ارتباطاً وثيقاً ومتيناً ولا يمكن إطلاقاً الوصول لواحدة منها دون الباقي، ومن الواضح بأنه يتوجب على الإنسان الحب بلا شروط كونه لا يستطيع العيش حياتياً بمفرده فطبيعة المرء الداخلية هي التي تُحدد شكل علاقاته بالآخرين فإن كان الإنسان مُحباً من داخله وساعياً لمد جسور التواصل بينه وبين غيره فإنه سيسعد بالناس وسيبادلونه عموم البشر بنفس درجة الشعور.
الحب نزعة عاطفية غامرة وريح عاتية تعلو عند شبوبها فوق أية نوازع أخرى وتسيل من بين أعقاب أبواب الهناء والسعادة و تُداهم هذه النزعة العاطفية الجياشة والفوارة عموم البشر في أي مكان وزمان حتى ولو لم تقم لمداهمتها أسباب واضحة وجلية، ويزداد أسرى الحب انفعالاً فينشدونه مخلوطاً بأشياء أخرى لحساب الوطن أو الأسرة أو المحيط المجتمعي سواءً أكان هذا اعتناقاً وعقيدة أو من باب تعبئة وقت الفراغ وقضاء الوقت وحرق دقائق الزمن ولحظات الحياة.
المختصون في شؤون الحب وعالمه الغريب ورحابه الواسعة يُقسمونه إلى مراتب ودرجات تبدأ بالميل ثم الحب ثم الغرام فالعشق ولكن الواقع فيه والغارق به لا يقف كثيراً أمام هذا التقسيم بل إنما يفعل المستحيل كي ينمو بشكل صارخ وجنوني وجارف حتى يُصبح حباً ضخماً وشامخاً وكذلك فاشلاً أيضاً ليستمتع فور فشله بالبكاء والنحيب بين يدي الذكريات وشريط المواقف وتفاصيل اللقاءات، وفي مرحلة وصول الحب الناضج إلى فشله الكبير اكتشف معظم الأدباء أنهم شعراء وروائيون فقد كانت كتابات الأدباء والشعراء وبالذات الأولى منها تحقيقاً لما فاتهم تحقيقه وانتقاماً ممن تعذر الانتقام منهم، وفي حالات كثيرة يجد المرء فعلاً بأن هذا الحب وممارسة هذا الانتقام تتمان بعيداً وبمعزل عن الملهمة الأساسية لأنها في أحيان كثيرة لم تعرف شيئاً عما جاء في الرواية أو القصيدة لعدم جدية الحكاية أصلاً أو لعدم حدوثها من الأساس، وليس هناك في تاريخ الأدب قصة حب ناجحة بالمفهوم العاطفي فقد جرى معظمها لصالح شعراء يهتمون بالمقام الأول بهذا العذاب الكاسح والعارم الناجم والناتج عن الفشل وكأن نجاح تجربة الحب هو انتقاص كبير يضر بنفوسهم ونمط طبيعتهم و يُحولهم من عشاق في دوائر الهيام إلى أزواج في روتين الأيام مع الاستذكار في هذا المقام لمقولة لأحد الأدباء وهي بأن الزوجة كالجملة المفيدة قد لا يكون لها محل من الإعراب.
في قصص كثيرة وروايات عديدة شاهدة على عصور مضت يُلاحظ المتابع بأن معظم عشاق العرب بلا استثناء توقفوا عند البكاء في أثر الحبيبة التي ذهبت بعيداً جداً وقد يكون ذلك مفيداً في بعض الحالات، ويموج تاريخ العالم بالعشاق ذوي التجارب الفاشلة جداً كنابليون مثلاً أو الناجحة جداً مثل كليوباترا غير أن عشاقاً آخرين وقعوا في مأزق تفسير انتحار كليوباترا بعد ذلك، وقد نجحت معظم وسائل التمثيل ووسائطه من سينما وتلفزيون وإنترنت ووسائل تواصل اجتماعي في امتصاص عمق مشاعر الحب وتحويلها إلى ألياف من المشاعر الصناعية التي تصلح للاستخدام مرات ومرات عديدة دون أن تجرح الإنسان ولو مرة واحدة على غرار مشاعر علاقات الزمالة و الصداقة وكذلك الأسرة، ولعل من المفيد الإشارة إلى أن الشعور بالسعادة والوصول لذروة الحب تُمكن كل شخص من الوصول إلى مرحلة التحرر الشعوري الذي تختفي معه كل المشاعر اليائسة والأحاسيس السلبية.
بشار عيسى