الآباء والأبناء وعقدة العلامات التامة

الوحدة: 7-2-2021

 

 

 

 

لا شيء في الكون يضاهي فرحة الأهل بتفوق أبنائهم ونجاحاتهم الباهرة وعلاماتهم المتميزة في جميع مراحل دراستهم، ودائماً ما يطالبونهم بالمزيد دون النظر بعين الاهتمام لقدراتهم، فكل الأمهات يتمنين أن يصبح أبنائهم أطباء وطبيبات أو مهندسين ومهندسات بأسوأ الحالات، ولا يرضين لطموحهن بما هو أقل ولا يستوعبن أن يكون الابن ناجحاً في مجالات أخرى أو يمتلك مهارات في ميدان غير الدراسة، وبما أننا في أسبوع توزيع الجلاءات وما نراه من الأهالي حولنا أو في العالم الافتراضي الأزرق وقد امتلأ بالتهاني والمباركات بتفوق أبنائهم وحصولهم على العلامات التامة وكأنه الإنجاز الأهم في حياتهم ونهاية لآلامهم وأتعابهم، كانت لصحيفة الوحدة وقفة حول هذه التفاصيل الهامة في حياة كل عائلة تهتم بأبنائها، وحول أهمية مراعاة الفروق الفردية والقدرات بين الأبناء وميول كل منهم واهتماماته من خلال اللقاء مع المرشدة النفسية الآنسة نرمين حداد والتي أخبرتنا استناداً إلى خبرتها العلمية والعملية قائلة:

(عند الامتحان يكرم المرء أو يهان)، (لماذا لست كصديقك)، (وين راحو علاماتك) وغيرها من العبارات التي يرددها الأهالي على مدار العام الدراسي مع إلقاء المحاضرات على أطفالهم ما يجب وما لا يجب، المشكلة تبدأ من مجتمع يطلب الكمال من الطفل و ينظر للامتحان كغاية في ذاته ويعتمد أسلوب التعليم الجمعي بتجميع أعداد من الأطفال لكل منهم شخصية وقدرات وإمكانيات وهوايات وطموح تختلف عن الآخرين، يتلقون نفس التعليم ونفس المنهاج، ومن أهل طفل مشاعرهم  وصورتهم أمام الآخرين أهم من مشاعر الطفل.

ولفتت إلى إننا اليوم أمام مشكلة في ثقافة مجتمع تعتمد الطابع الاختباري وتولي الامتحان أهمية كبرى وبرأيهم نتيجة الإخفاق أو الرسوب  في الامتحان يظهر للأسف أطفال  يُطلق عليهم (الفاشلون، الأغبياء) وأضافت:

الفشل المدرسي خيبة أمل لكل من الأهل و الأبناء، فالرسوب والعلامات المتدنية  عقاب معنوي للطفل يتبعه أحياناً العقاب البدني من الأهل نتيجة خروج الطفل عن معيار اجتماعي هو النجاح، مع المواقف الاجتماعية السلبية اتجاه الطفل في المدرسة، الحي وأكملت:

كل منا يعرف قصة توماس أديسون، الطفل الذي ترك المدرسة نتيجة اتهامه بالغباء  وبعدها أصبح صاحب اختراعات مسجلة باسمه من أبرزها المصباح الكهربي، هذا الطفل الكسول تحول لإنسان ناجح وذكي، هو كان ذكياً منذ البداية ولكنه لم يكن ناجحاً لأن عوامل النجاح لم تتوفر لديه وحين توفرت لديه ظهر ذكاؤه.

ببساطة هذا المثال يطبق على جميع أطفالنا كل طفل ثروة ولا يوجد طفل غبي ولكن لكل  طفل قدرات ذكاء مختلفة، وهذا ما توضحه لنا نظرية الذكاءات المتعددة لـ هوارد جاردنر حين رفض فكرة الذكاء الواحد مؤكداً على وجود العديد من القدرات العقلية المستقلة نسبياً لدى كل فرد لكل منها خصائصها وسماتها الخاصة بها، يتم التعبير عنها بشكل كبير من خلال أفكارنا وسلوكنا وليس من خلال اختبارات الذكاء التقليدية، وقد غيرت نظريته مفهوم الذكاء البشري كونها تنطلق من مسلمة مفادها أن  كل الأطفال يولدون ولديهم كفاءات ذهنية متعددة منها ما هو ضعيف ومنها ما هو قوي، ومن شأن التربية الفعالة أن تنمي ما لدى المتعلم من كفاءات ضعيفة وتعمل في الوقت نفسه على زيادة تنمية ما هو قوي لديه. وصنف جاردنر الذكاءات المتعددة إلى ثمانية أنواع هي:

– الذكاء اللغوي: من يتمتع بهذا النوع من الذكاء يبدي السهولة في إنتاج اللغة، والإحساس بالفرق بين الكلمات وترتيبها وإيقاعها، والمتعلمون الذين يتفوقون في هذا الذكاء، يحبون القراءة والكتابة ورواية القصص، كما أن لهم قدرة كبيرة على تذكر الأسماء والأماكن والتواريخ والأشياء القليلة الأهمية.

–  الذكاء المنطقيـ الرياضي: المتعلمون الذين يتفوقون في هذا الذكاء، يتمتعون بموهبة حل المشاكل، ولهم قدرة عالية على التفكير، فهم يطرحون أسئلة بشكل منطقي ويمكنهم أن يتفوقوا في المنطق المرتبط بالعلوم وبحل المشاكل.

–  الذكاء التفاعلي: حيث أن المتعلّمين الذين لهم هذا الذكاء يميلون إلى العمل الجماعي، ولهم القدرة على لعب دور الزعامة والتنظيم والتواصل والوساطة والمفاوضات.

– الذكاء الذاتي: المتعلمون الذين يتفوقون في هذا الذكاء يتمتعون بإحساس قوي بالأنا، ولهم ثقة كبيرة بالنفس، ويحبذون العمل منفردين، ولهم إحساسات قوية بقدراتهم الذاتية ومهارتهم الشخصية. 

– الذكاء الجسمي الحركي: التلاميذ الذين يتمتعون بهذه القدرة يتفوقون في الأنشطة البدنية، وفي التنسيق بين المرئي والحركي، وعندهم ميولٌ للحركة ولمس الأشياء.

– الذكاء الموسيقي: يسمح هذا الذكاء لصاحبه بالقيام بالتعرف على النغمات الموسيقية، وإدراك إيقاعها الزمني، والإحساس بالمقامات الموسيقية، وبالتفاعل العاطفي مع هذه العناصر الموسيقية.  

– الذكاء البصريـ الفضائي: المتعلمون الذين يتجلى لديهم هذا الذكاء محتاجون لصورة ذهنية أو صورة ملموسة لفهم المعلومات الجديدة، كما يميلون إلى معالجة الخرائط الجغرافية واللوحات والجداول وتعجبهم ألعاب المتاهات والمركبات.

– وأخيراً الذكاء الطبيعي: يتجلى في القدرة على تحديد وتصنيف الأشياء الطبيعية من نباتات وحيوانات.

إن الأطفال المتميزين بهذا الصنف من الذكاء تغريهم الكائنات الحية، ويحبون معرفة كل شيء عنها، كما يحبون التواجد في الطبيعة وملاحظة مختلف مكوناتها.

وأكدت حداد بأن دور المدرسة والأسرة يأتي باكتشاف أنواع الذكاء التي يمتلكها الطفل والعمل على تنميتها وإبرازها وتقبل الاختلاف وعدم المقارنة  فاتهام الطفل بعدم الكفاءة يقلل من ثقته بنفسه ويصبح الفشل سمة غالبة على أي عمل يسند له في المستقبل.

فالأسرة والمدرسة اليد التي تأخذ بيد الطفل وتساعده  على استثمار قدراته من خلال خوض تجارب متنوعة ورعاية مواهبه واهتماماته ودعم  احتياجاته الفكرية والعاطفية، وتشجيع رغبته في التعلم وعدم خوفه من الفشل بل النظر إليه كطريقة للتعلم، والتعامل مع فضوله بطريقة إيجابية فالفضول أصل كل أنواع التعلم، ومدح جهد الطفل ولوكان بسيطاً.

أما دور الجهات المشرفة على العملية التعليمية فهو تسهيل تطبيق نظرية الذكاءات المتعددة في المدارس وذلك بمساعدة المعلمين على توسيع دائرة استراتيجياتهم التدريسية للوصول لأكبر عدد من التلاميذ على اختلاف ذكاءاتهم، وهذا ما يخلق بيئة تعليمية يمكن من خلالها لكل طفل أن يحقق ذاته ويتميز بالجوانب التي ينفرد بها. واختتمت كلامها بنصيحة للأهل بمناسبة الجلاءات وعقدة العلامات التامة مفادها: احترموا قدرات أطفالكم فكل طفل عبقري  بمجال معين، وفشل الطفل بالدراسة الأكاديمية يعني أن هذا المجال ليس مجاله ولذلك علينا أن نكتشف المجالات الأخرى التي ينجح ويبدع بها ونشجعه عليها ونفتح الطريق أمامه ونمسك بيده ليمشي بها، وإلا فإننا نحن الأهالي العاجزون والفاشلون.

سناء ديب

تصفح المزيد..
آخر الأخبار