بذر العشاق…

الوحدة 3-2-2021

 

رائحة شوائها تشدك إليها من بعيد بلا جوانح ولا أفكار, لترسو عند صاحبها أبي أحمد الذي يركن بجوار سور حديقة البطرني مع عربته التي فاح منها عبير العبيد والبذورات وهي تتلوى على جوانبها بوهج نار الحطب .عشرات السنوات مرت كشريط سينمائي أمام شبكة عينيه ليحكي قصصه مع العشاق والبذورات , وقد ابيضّ الشعر وشاب على قواعد العشق الأربعين ولم يزل يركن كل يوم على سور حديقته ليكون شاهداً بتغيرات الزمان حيث قال :

لست ابن اليوم, ولي بهذا المكان والعمل منذ عام 1982 أي حوالي 40 سنة وجميع من يزور الحديقة ويتردد على الشارع يعرفني (كل الدني تعرفني بهالشقفة) .

كنت أبيع (الكمشة) بخمس ليرات وعشرة واليوم أبيعها بخمسمائة وألف، كم تغيّرت الأيام وتبدت الأوقات الجميلة, بعد أن ضاقت الأحوال واستبد الغلاء فينا.

فالأسعار اختلفت كثيراً عن زمان وحتى الأمكنة والناس وهذه الحديقة التي خف في طرفها الشجر والخضار, والأسعار تصبح وتمسي  وكل يوم بحال وسعر جديد حيث أشتري اليوم بذر الشمس ب6000ليرة والقضامة ب3000 ليرة والذرة 4400 والصينية 3300ليرة والعبيد 5000 وبذر الجبس 3400 أما أكياس الورق الصغيرة ب3000 ليرة أشتريها من محلات الجملة وأشويها على الحطب وأسخنها.

أبيع ولو بالرخص فثلاثة أرباع الأوقية ب500 ليرة وأحياناً 600 ليرة والناس تأتي لشرائها ولا يمكن الاستغناء عنها في أي مشوار فهي مسلية ومفيدة وممتعة بصحبة الأحبة والأصدقاء وحتى الأولاد.

كل شاب وصبيّة يمسك بيدها و(يتمختران) على الرصيف وعيون الحب ترعاهما يقفان أمام العربة ويطلبان بذر العشاق وغيره ليجلسا في الحديقة تحت الأشجار الوارفة بالظلال, وهو بذر صغير يحتاج لبّه لقضاء وقت طويل مع الحبيب وهو المطلوب, ومعظم زبائني شباب ورجال وعائلات يجلسون بالحديقة وأناولهم عن السور ما يشتهون, في الصيف أتي من الثامنة صباحاً حتى 11 مساء وبيتي قريب من الحديقة وفي الشتاء من 9إلى 7أو 8 مساء ونحمد الله ونشكره الحال مستورة (بحصة تسند جرة) ومع راتب التقاعد الذي أناوله لأم الأولاد كل شهر نعيش و(الله كافيها) فهي تأتي بما تحتاج كل يوم وأنا أسدد النواقص بما أجنيه من شوي البذور والعبيد, فعند عودتي في المساء أحمل بيدي ما أستطيع من حاجات, لدي ثمانية أولاد لله  فيهم العسكري بالقنيطرة وآخر يعمل (بالريجة) والثالث بغزل جبلة وكلهم ما زالوا بحاجتي وأساعدهم بكل طاقتي وما في وسعي فلديهم أولاد, ولا أرضى منهم أي مساعدة, زوجتي طيبة ومرضية ولم تقل يوماً أفاً مهما ضاقت الأحوال.

هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار