تعب….

الوحدة : 14-1-2021

متعب هو الحلم ومتعبة انكسارات النفس وهي تنظر في مرآة العمر إذ لا ينسى شيء غير السراب ولهيب الشمس في صحراء لا حدود لها مع قافلة لا دليل لها وقد نضب الماء  وجف الحلق وضاقت الشرايين، فأين هي يا ترى الواحة الموعودة و أي يا ترى ذلك الوعد الكاذب الذي قالته على حين غرة و صدقها ؟! فلا شيء غير التعب و النظر الى الخلف حيث الحرائق و إلى الأمام حيث المجهول و إلى السماء وما ثمة بارقة أمل و إلى الأرض و هي تميد و كأن الرحلة توشك على النهاية و كأن الروح توشك على التمرد !

و لوهلة ظن المسافر أنه اقترب من الميعاد و عادت له بقية من الطمأنينة و على عجل عادته فأخذت منه ما شاءت و ذهبت و فاض ما فاض من الدموع و جف ما جف من ورق شجرة الأحلام التي كانت ذات يوم وارفة الظلال و جنية الثمر فكلما مد يده تناول تفاحة حلم جميل ثم استنشق عبيرها وغفا متأملاً و الابتسامات وفد إثر وفد يتعاقبان !.. و على حين غرة دهمه الليل و ليل الشعر طويل و ليل الشاعر تنسجه عناكب سود تحمل معها القصائد لمن أدمن سفك دم القصائد في ملكة العمر الآخذة في رهبتها كل الأحلام البيضاء و رفيف أجنحة الحزن و حيث لا مكان و أثناء لا زمان تطل برأسها حية تحمل في فكيها سماً من ذاقه فإنه لا يموت ولا يحيا بل يقبع في برزخ من الآلام كأشدّ ما يكون من العذاب وفي وسط كل هذه الفوضى المنظمة بعناية يد الأقدار تطل روح تأبى أن تنحني لكل الجلادين مؤمنة بأن هذا ليس قدرها الأخير و لو أن التعب قد أخذ ما أخذ و لم يترك شيئاً إلا بقية من أنفاس ملأى برائحة التعب و للتعب رائحة يعرفها من جرب صعود الروح و تتالى النكبات و من ظن أن كثرة المال أو رفعة المنصب تقي من التعب فقد جانب طريق الرشاد بل إن كثرة من الألم و الحسرة يكون باعثها الأكبر كثيراً المال و جالبها الأول رفعة المنصب و رب أشعث أغبر لا يلقي له الناس بالأعظم سعادة من أصحاب الثروات الطائلة و المناصب العالية .

و لو جاز التخيير للإنسان غاب يوماً سعيداً ،فإن يوماً سعيداً في الدنيا خير من أعوام طوال حافلة بالتعب الذي لا ينقضي و لهذا أقول لكل المتعبين تمنوا و لو يوماً واحداً من السعادة .

لمي معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار