بين الشط والجبل .. رسائل القلب

الوحدة: 11- 1- 2021

 

كتب (كافكا) إلى ميلينا في إحدى رسائله: (أخاف الأشياء التي تلامس قلبي يا ميلينا، لذا أهرب منها دائماً، وأهرب منك)!

استوقفتني تلك الرسالة مطولاً وفي كل قراءة وكأنها ذلك الغزال البهي الجريح الذي مشى فوق حشائش القلب بحذر.. وكان خائفاً أن يوقظ آلامنا النائمة منذ مدة.. كم من الرسائل التي نعتقد أنها لا تعنينا لكنها في الحقيقة لم تضيع عناوين القلب ولا تحتاج إلى ساعي بريد أو طابع بريدي كي تصل إلينا..

أتذكر رسالة كافكا إلى ميلينا وأنا أودع عاماً وأستقبل آخر دون جديد.. دون حلم بعيد أو نجمة أطاردها كي أقطفها وأضعها في شعري كما كنت أفعل سابقاً..

أتذكر حروف كافكا المغمسة بألم شقي وأنا أمشط أرصفة مدينتي المتعبة في طريق العودة من العمل وأشعر أن سنابل الرأس قد شاخت، وأن الشوارع والأرصفة لم تعد منهمكة بكتابة قصيدة الفصول أو رثاء مبدع أو شاعر، بل اكتظت بأسراب يمام بشري حزين ينتظر مازوت التدفئة وخبزه اليومي والزيت وأشياء استهلاكية أخرى.

أتذكر رسالة كافكا وأهرب منها حين أشعر أن المرء قد يتحول إلى سلعة أمام همومه المعيشية، وفك الأسعار المفترس، وتنبؤات الفلكيين والعرافين وصفحات التواصل الاجتماعي التي تعكس وجهاً مغايراً تماماً لوجوهنا الحقيقية.

ماذا اقترفت أصابعك الجميلة يا كافكا حتى جعلت رسالتك تعنيني بطريقة ما، وأنا في حيرة من أمرين هل أزين شجرة القلب بأجراس الحنين، أم أكتفي بالصمت لتشابه أيامنا، وملامحنا، وأحاديثنا الفارغة الا من همومها الصغيرة!

ها نحن كل صباح، نرش العطر على قمصان اللهفة، نجمع أصداف الوقت، نحاور بعضنا المنغلق على بعضه، ونحمل رسائل العتب والانتظار، ورغم خوفنا من تلك الأشياء الجميلة الغائبة التي تلامس قلوبنا، لكننا ننتظرها بفارغ الصبر يا كافكا..

منى كامل الأطرش

تصفح المزيد..
آخر الأخبار