ازرعوا القمح… فمن امتلك الرغيف امتلك القرار…

الوحدة 22-12-2020 

 

يتميز القمح بتنوع منتجاته ودخوله في معظم الوجبات اليومية للمواطن السوري مثل الخبز والبرغل والفريكة والمعكرونة والمعجنات والبسكويت والحلويات وينتشر في سوريا بنوعيه القاسي والطري، ولذلك كان من أولويات وزارة الزراعة والمزارعين دعم هذا المحصول والاهتمام به للحصول على الاكتفاء الذاتي للقطر، وقد تأثرت زراعته خلال الأزمة نتيجة حرق المحاصيل بشكل متكرر في المنطقة الشرقية من قبل العصابات الإرهابية، بالإضافة إلى قلة الأمطار والجفاف الذي أصاب بلدنا لعدة سنوات متتالية سابقة، وحالياً ومع ازدياد الحصار علينا ومحاولة الأعداء المتكررة لأخذ ما عجزوا عن أخذه بالقوة والحرب العسكرية وعملهم الدؤوب على خنق المواطن السوري بشتى الطرق والمجالات, تزداد الحاجة للاهتمام أكثر بزراعة محصول القمح والعمل على تأمين الاكتفاء الذاتي منه.

ومنطقة القرداحة ككل المناطق السورية يسعى مزارعوها بكل إمكانياتهم للاهتمام بأراضيهم ومحاصيلهم ومزروعاتهم ومنها القمح وذلك وفق الإمكانيات المتاحة لديهم.

 وللاطلاع على واقع هذه الزراعة والاستعدادات لها والخطط التي من شأنها تطوير وتحسين زراعة القمح أجرت الوحدة لقاءات متعددة مع بعض أصحاب الشأن بهذا المجال.

المهندس نزيه سلطان رئيس دائرة الزراعة بالقرداحة قال: يعد محصول القمح من المحاصيل الاستراتيجية في سورية ولكنه يعد في الساحل السوري محصول تحميلي حيث يزرع بحيازات صغيرة بين أشجار الزيتون والليمون بالإضافة إلى مساحات صغيرة قد لا تتجاوز الـ 5 دونمات ضمن منطقة القرداحة، وحول الدعم المقدم لهذه الزراعة أجابنا بأن الدعم المقدم لزراعة القمح  بدأ بتوزيع مادة المازوت الزراعي من الوحدات الإرشادية حيث يتم توزيع ٤ لتر لكل دونم من أجل حراثة الأرض بالسعر المدعوم ١٨٠ ليرة لكل لتر، كما وتم تأمين مادة سماد اليوريا من المصرف الزراعي لمزارعي القمح وتأمين البذار من المؤسسة العامة لإكثار البذار على أن يتم تسليم المحصول في صوامع الحبوب.

ولفت المهندس سلطان إلى تجربة الزراعة الحافظة لمحصول القمح التي قامت بها الدائرة خلال العام الماضي، والتي توفر في عمليات الخدمة من فلاحة ومبيدات ومن مادة البذار حيث أن الزراعة الحافظة تستهلك بذار أقل عن طريق البذارة التي تقوم بالحراثة أيضاً أقل من الزراعة العادية.

وأضاف أنه تم إلى الآن زراعة ٣٠٠٠ دونم في منطقة القرداحة ومازالت الزراعة مستمرة حتى الآن، ولفت إلى أهم القرى التي تهتم بزراعة القمح هي قرى سلورين، عين العروس، البيطار، بحورايا وقلعة المهالبة، فرزلا، بالإضافة إلى الكثير من قرى ناحية الفاخورة.

وأضاف:  نشجع أصحاب الأراضي المحروقة على حراثة أراضيهم وزراعة القمح فيها ريثما تبدأ أشجارها الجديدة بالعطاء من جديد وذلك للوصول إلى الاكتفاء الذاتي للمزارعين فمن يزرع القمح يستطيع تامين الطحين والبرغل والفريكة والقمحية…. وبيع الفائض عن حاجته للدولة وعن أهم أنواع القمح التي تزرع في المنطقة أشار إلى أن شام ٥ وشام ٦من أهم الأنواع المزروعة في منطقة القرداحة أحدهما قمح طري  للطحين والآخر قمح قاسٍ للبرغل.

المهندس على زوان، رئيس شعبة الثروة النباتية في دائرة زراعة القرداحة قال: على المزارع الذي يريد زراعة القمح مراجعة الوحدة الإرشادية في قريته ليتم منحه تنظيم زراعي للمساحة المراد زراعتها وذلك بناء على كشف حسي يقوم به  المهندس في الوحدة الإرشادية، وبناء على هذا التنظيم يحصل المزارع على بذار القمح من مؤسسة إكثار البذار ويحصل على سماد من المصرف الزراعي وعلى مازوت من الوحدة الإرشادية لحراثة الأرض التي سيزرعها قمح بمعدل ٤ لتر لكل دونم، أيضاً يوم الحصاد يأخذ مخصصات الوقود بناء على التنظيم كذلك يتم تسويق كل محصوله الفائض عنه وأشار المهندس زوان إلى أن المثل الذي كان يعمل به الاجداد (بالبربارة رد بدارك ع الكوارة) أصبح مثلاً غير دقيق لأن الأصناف التي توزعها مؤسسة إكثار البذار أصناف قصيرة الساق ودورة حياتها أقصر من غيرها ولذلك تستمر زراعة القمح إلى نهاية شهر كانون الأول مؤكداً بأن إقبال المزارعين على زراعة القمح في منطقة القرداحة أكثر من السنوات السابقة.

الأستاذ مفيد عباس مدير المصرف الزراعي بالقرداحة قال بخصوص تأمين الأسمدة لمحصول القمح في المنطقة:  يقدم المصرف الأسمدة بموجب تراخيص تنظيم وتمنح من الوحدة الإرشادية للمزارعين بموجب بيان قيد عقاري وبيان مساحة ووثيقة غير عضو تعاوني مشيراً أن حصة الدونم الواحد ١٥ كيلو والتعليمات من الإدارة العامة للمصرف أن يتم منح نصف الكمية في بداية الزراعة أي ٧،٥ كغ لكل دونم، مؤكداً أن المصرف وزع بحدود ٤٠ طن أسمدة مشيراً أن تراخيص الجمعيات الفلاحية تتراوح ما بين ١٠٠ و٢٠٠ دونم بحيث تستلم كل جمعية بموجب هذه التراخيص ما بين ٧٥٠ كغ و طن واحد من الأسمدة يوريا و٣٠ وبوتاس، وأشار أن المزارعين يأخذون استحقاقاتهم بالكامل بموجب التراخيص التي يمتلكونها والتعليمات الواردة إلينا، وأن المصرف على استعداد تسليم المزارعين الدفعة الثانية من الأسمدة حين تأتي التعليمات بذلك سواء للقمح أو لأي محصول آخر.

وعن عدم وجود البذار في المصرف كما المصارف الأخرى أفادنا بأنه لم يكتتب أحد من المزارعين على البذار رغم أن الوزارة تقوم  كل عام بفتح باب الاكتتاب على بذار القمح والبطاطا ومع ذلك لم يتقدم اي مزارع بطلب اكتتاب للحصول على البذار، علماً أن الكميات التي تحتاجها المنطقة قليلة وتكاليف الشحن لها كبيرة.

عامر خير الدين مزارع ورئيس الجمعية الفلاحية في قرية القلورية قال: كل مزارعي محصول القمح خائفون من عدم توفر الأسمدة بالكمية المطلوبة والوقت المناسب حيث يعطى للدونم الواحد ١٥ كغ  تقسم على دفعتين، وهل من المعقول أن أقوم بفتح كيس السماد وتوزيعه على عدة مزارعين حسب المساحة المزروعة لكل منهم، أكيد لن أقوم بذلك لأنني لن أستطيع كرئيس جمعية فلاحية مراضاة مزارعي القمح ولا إقناعهم بذلك، وأضاف: بالحقيقة كل جمعيات الساحل مظلومة حيث احتياج أقل قرية يتراوح ما بين ٣٠ و٣٥ طناً  من الأسمدة بالموسم  بينما لا يتم منحها ٢٠ طن سماد يوريا، ولفت أنه يوجد في جمعيته أكثر من ١٢٠ مزارعاً وسيزرع أكثر من نصفهم قمحاً فيما لو تأكدوا من توفر الأسمدة، وقال: زرعت في العام الماضي عشرة دونمات لكني هذا العام لن أزرع شبراً واحداً، نطالب بتوفير الأسمدة لكافة المحاصيل علماً أنه يوجد سماد يوريا في المصرف الزراعي ولكن ممنوع منحه إلا لمحصول القمح وبكميات محدودة جداً لا تكاد تكفي شيئاً، وشاركه الحديث عدد من مزارعي القرية قائلين: لو أن موضوع دعم زراعة القمح موضوعاً جدياً لكان تم تقديم البذار على الأقل مجاناً مثل المنطقة الشرقية، عن أي دعم يتحدثون وعلينا شراء البذار من مؤسسة إكثار البذار في اللاذقية أو من مصرف جبلة الزراعي ونتكبد عناء الأجور الغالية فوق سعر البذار، وأضافوا: حتى المازوت غير كافٍ لأن الدونم الواحد يحتاج على الأقل من ٧ إلى ٨ لتر لحراثته جيداً، بالإضافة إلى أن الأسمدة توزع بالقطارة وغير متوفرة بحاجتها الحقيقية حين الطلب مؤكدين جميعهم أنه فيما لو تم تقديم دعم حقيقي وتأمين كافة المستلزمات لزراعة القمح وأهمها الأسمدة لزرع غالبية المزارعين القمح ولما ترددوا أبداً.

أيضا قال غزوان بركات وهو مزارع ورئيس جمعية قرية البيطار الفلاحية:  كنا من أكثر القرى التي تزرع القمح على كامل المساحات وحتى تحت الأشجار ولكن حالياً تراجعت زراعته كثيراً في قريتنا لأن التكلفة هائلة والإنتاج قليل حيث يتذرع الجميع بغلاء المازوت وفعلاً هناك غلاء كبير وغير مقبول فأجر الفلاحة كبير جداً وخاصة أن الأرض قبل زراعتها بالقمح تحتاج إلى أكثر من حراثة وأجر حراثة الدونم الواحد عشرة آلاف ليرة سورية وساعة الحصاد ب ١٥ ألف ليرة وساعة دراسة القمح أكثر من ١٥ ألفاً والأسمدة غير متوفرة ومتوسط مردود دونم الحنطة من ٢كغ إلى ٢٥٠ كغ، يعني ليس بالكثير ولا بالإنتاج الوفير، هذا في الأعوام السابقة، حالياً  يطلبون بيان قيد عقاري حتى نحصل على ترخيص لشراء البذار، حسناً ماذا يفعل أصحاب الأراضي غير المطوبة والتي مازالت بأسماء أجدادهم وأنا منهم وكل الفلاحين في قريتنا يعانون من هذه المشكلة، لا أحد يعطينا بيان قيد لأن الأرض ليست بأسمائنا ومنطقتنا إلى الآن غير مطوبة، وأضاف كل هذا الغلاء الفاحش والروتين القاتل أبعدوا المزارعين عن الأرض والزراعة وأضاف: كلنا مزارعون ولو توفرت المواد والدعم الحقيقي لنا كلنا سنزرع القمح ونعلم أن الحصار يزداد علينا وزراعة كل شبر من أرضنا فرض علينا وواجب ولكن لو زرعنا فقط بما توفر بين أيدينا لخسرنا كل الموسم ولما قدمنا أي إنتاج لأن أرضنا متعبة وتحتاج أن ندعمها كثيراً بالأسمدة.

من جهته شاركنا ابن المنطقة الدكتور إبراهيم محمد خبير الاقتصاد والمغترب في ألمانيا أمنياته للناس في منطقته التوجه لزراعة القمح  حيث قال: حالياً موسم زراعة القمح والدنيا مقبلة على غلاء ونقص أغذية بسبب وباء كورونا ولذلك أتمنى ألا تفوت أي قرية من قرانا فرصة زيادة زراعة القمح حتى لا تتكرر أزمة الخبز في زمن الحرب والحرائق وكورونا  ، أتمنى تشجيع العائلات العودة لزراعة القمح عبر منبر جريدة الوحدة وحثهم على الاهتمام بكافة المزروعات التقليدية والمأمول أن يعود الناس بشكل تدريجي إليها للحصول على كافة احتياجاتهم وأقلها البرغل والقمحية وأن يكون دعم الدولة حقيقياً للمزارع في مجال تأمين البذار والاسمدة والأدوية والمبيدات وكافة مستلزمات زراعة القمح، وأضاف: نحتاج إلى تعميم ثقافة المبادرات الفردية وهي مسألة تحتاج لسنوات إذا ما تم التوجه إليها وعدم الارتهان الشديد لدور الدولة التي تعاني من تبعات الحرب، ولفت الى أنه في بلد صناعي مثل ألمانيا فإن الزراعة تغطي ٨٠٪ من الاكتفاء الذاتي وذلك بفضل جهود العائلات والجهد الفردي رغم ظروف الطقس وغياب الشمس، علماً أن منطقتنا خصبة أكثر من أوروبا ولذلك على كل إنسان أن يزرع أي مساحة أرض مهما كانت صغيرة ويستثمرها بما يعود بالنفع عليه وعلى بلده ويكفيه شر العوز والحاجة للآخرين.

وأخيراً: نردد قول أحد السياسيين المصريين مهنئاً سورية في حقبة الثمانينات عندما امتلكت اكتفاءها الذاتي من مادة القمح حيث قال: سورية ملكت الرغيف فملكت القرار، ونردد  رجاء المزارعين للفريق الحكومي المعني بالأزمة: ادعمونا بشكل حقيقي وواقعي قبل فوات الأوان فجميعنا مزارعو قمح وسنكسر الحصار وننتصر عليه كما انتصر جيشنا على الإرهاب.

سناء ديب

تصفح المزيد..
آخر الأخبار