الوحدة: 15- 7- 2020
يرجع شيوع مصطلح البيروقراطية إلى زمن قديم جداً من حيث ظهورها الفعلي التطبيقي كونها اقترنت بالنُظم الحاكمة في الحضارات السابقة وقد أُدخلت في القواميس الأكاديمية لتعني القوة والنفوذ الذي تتمتع به معظم الحكومات والهيئات التنفيذية في كل دولة، ويُمكن تعريف البيروقراطية بأنها نظام معقد ونموذج تنظيم يضم عدداً كبيراً من الموظفين الحكوميين يهدف إلى تحقيق الاستقرار والكفاءة الإدارية والدقة والسرعة في الإنجاز، وقد بدأ المواطن العادي يتعرض لقصورها والانحرافات الناجمة عنها ويتعامل معها فعلياً كظاهرة سلبية ونمط تنظيمي يُؤكد حكم الموظفين واستعلائهم، وفي تعريف آخر فهي النظام الحكومي الذي يشرف على إدارته عدد لا بأس به من الموظفين ممن لهم قدر من القوة تُمكنهم من التحكم بحريات المواطنين العاديين، وكل ما سبق من التعريفات العلمية والعامية لا تُلغي التعريف اللغوي للكلمة التي تعني الإدارة من وراء المكتب ولا تطمس التعريف المُستخدم من قبل أغلب الكتاب حينما يطلق على النظام الإداري الحكومي ولا يعكس أي صفة إيجابية أو سلبية.
يشتد النقد الموجه للبيروقراطية من قبل شريحة واسعة و يقول البعض بأن البيروقراطية تُعد تحدياً حقيقياً للديمقراطية وليست بديلاً لها ولا بد من إيجاد أنسب وأنجع الوسائل الديمقراطية للسيطرة عليها قبل أن تَستعبد الجميع، وتتلخص المساوئ والعيوب المتعلقة بها إلى:
– إعاقة النمو والنضوج الشخصي للعاملين ودفعهم إلى الكسل والخمول وتراجع الأداء.
– فرض نظام رقابي شديد يمنع الإبداع.
– عدم الأخذ بالحسبان للمشاكل الطارئة والمواقف غير المتوقعة.
– عدم السماح باستيعاب التكنولوجيا المستجدة.
– التسبب في العزلة والاغتراب وتدهور الأخلاق و انحلال القيم وضعف المعنويات.
و يمكن القول بأن البيروقراطية بخصائصها ومشاكلها لا يمكن لها أن تعايش ظروف المستقبل الذي سيشهد تغييراً جذرياً في أنماط العلاقات والقيم وسُبل التفكير وأساليب التكنولوجيا والتواصل وستواجه المجتمعات البشرية مشكلات إنسانية واجتماعية لن تقوى المنظمات البيروقراطية على حلها.
انطلاقاً من التعريف الشعبي للبيروقراطية المقترن بالروتين والتعقيد والجمود بسبب الالتزام بالإجراءات والقواعد الشكلية في التعامل، يمكن إيجاز بعض الظواهر السلوكية الناجمة عن تطبيقها فيما يلي:
– انعزال الأفراد عن بعضهم وضعف العلاقات التعاونية وغياب الأمن الوظيفي بين الجميع.
– ضعف الانتماء للمؤسسة مما يتسبب في تجاهل مستويات التنفيذ للأهداف وأحياناً التعمد في إفشال عملها.
– المركزية الشديدة وحصر الصلاحيات وحرمان مستويات التنفيذ التي تمتلك المعلومات الصحيحة من المشاركة في اتخاذ القرارات.
– تُعقد الإجراءات المختلفة بسبب تأثير العرف المفروض على الموظفين و تعدد المستويات الإدارية و فقدان الثقة بينها .
– تَفترض أن الإنسان سهل الانقياد لأن أهدافه ودوافعه معروفة وسلوكه يمكن السيطرة عليه، و تُولي الأبعاد والمتغيرات المادية الأهمية القصوى وتُقلل من المعنويات والطموحات وتحقيق الرضا والسعادة للأفراد.
بعد كل ما تقدم ذكره من نقد وتحليل لأوجه البيروقراطية بوجه عام فيمكن استنتاج أهم الحقائق التالية:
– لم تُعد البيروقراطية في إطارها المرسوم لها قادرة على الانسجام مع ظروف العصر الحالي وبالتالي لن تستطيع استيعاب مناحي التقدم التكنولوجي.
– إن التباين والاختلاف في وجهات النظر وظهور التناقض هو ظاهرة حياتية تتطلبها طبيعة التغيير والتحول وتفسرها التفاعلات بين القوى المؤثرة والمتأثرة على حد سواء، وكلما زادت معدلات التغيير في المجتمعات فينبغي مواكبتها وإعادة التوازن بين القديم والجديد من مظاهرها.
– العالم البشري بحاجة عاجلة وماسة إلى طرح الجديد من البدائل والأطر والنماذج التنظيمية لتكون بمثابة الحد الأدنى الذي يضمن التحول الديناميكي المنسجم مع التحول الفكري والثقافي والحضاري، ولتلافي التحولات الانفعالية التي تُشيع الفوضى وتُحدث الإرباك وتقلب الأمور رأساً على عقب.
– يمكن للبيروقراطية أن تبقى موضع اهتمام عدد من الباحثين والدارسين لتُعتمد منهجاً وإطاراً لإجراء الدراسات الميدانية والنظرية لمعرفة الأثر الذي يتركه تباين النظم الاقتصادية والاجتماعية على تطبيقاتها وسلوكياتها.
– تشخيص عدد من الخبراء للآثار والمساوئ المختلفة لقصور البيروقراطية الناجم عن تعاملها مع المتغيرات الداخلية وتجاهلها للبيئة الخارجية وشتى ما فيها من المتغيرات التي لا يمكن العمل بمعزل عنها.
د. بشار عيسى