بين الشـط والجبل.. قـــوة الحيــــاة

العدد: 9300

26-2-2019

 

الطريق إلى السوق درج طويل واسع يشق الشوارع في الحارة القديمة المرتفعة الهابطة إلى البحر، يلعب الأطفال فوق الدرجات الواسعة النظيفة، وتجلس النساء عند الصباح لشرب القهوة . .
منه يتفرع طريق إلى بيت (أم منير) المرأة القادمة من الساحل السوري، لهجتها تشير إليها، بيتها القديم تملأه المحبة، وضجيج ماكينة خياطة لا يتوقف . .
تجلس ابنتها – خيَاطة الحي خلف آلتها السحرية تصنع أجمل الفساتين، وخلفها نافذة مفتوحة . . يمكن لفيروز التي تغني هناك دائما أن تهرب منها لعيد (العزابي) نافذة كبيرة، تتصل بأسطح واسعة لأبنية متجاورة متلاحقة ببعضها، وأدراج . .
في نهاية الطريق الدرج، بداية سوق ومخبز يصنع مناقيش الزعتر تسبق الخطوات رائحتها الشهية، وفرّان نشيط يصفَ لوائح خشب طويلة، عليها ينتظم صفَ المناقيش، وبجانبها صف لزبائن جائعين.
عند منتصف الليل تنتشر رائحة الخبز الطازج من مخبز آخر، يجتمع الشباب أمامه، ويسهرون كما نهر (أبو علي) الذي لا ينام، حوله باعة خضار، ومحلات من كل الأشكال والألوان، وبسطات بسيطة لباعة قبعات من قش مزركشة ومزينة وعدة البحر الملونة.
منقوشة صباحية وجولة في السوق تقوم بها طفلة الـ (خمس سنوات) مع أمها تشتري طعام الغداء من خضار وفاكهة.
في طريق العودة . . صعود الدرج ليس كنزوله عند الأم التي تحمل أكثر من عشرة كيلوغرامات بينما تركض الطفلة أمامها، تصعد الدرجات على أنغام أغنية الصبوحة القادمة من بيت واسع يرقص الفرح فيه، (وع الضيعة يما ع الضيعة).
عند ناصية الشارع، خمَارة يجتمع حولها وفيها رجال الحي عند الغروب وحتى ساعة متأخرة من الليل يشربون الخمر، تنتشر رائحته في الفضاء حولهم كما ضحكاتهم، وصراخ أو بكاء من وصل منهم لحالة السكر ينساها عند الصباح، وينسى من أوصله إلى بيته بل إلى سريره . .
في الحي الطرابلسي هذا، يعيش عدد كبير من سكان من الساحل السوري، عمال وصغار كسبة وأسرهم، طرابلس وطرطوس متلاصقتان متلاحمتان عبر الزواج والنسب والصحبة والعمل . .
وفي طرطوس، ما تزال عائلات لبنانية تعيش منذ الحرب الأهلية هناك، وحتى اليوم، ورغم الحرب على سورية لم تترك المكان الذي عاشت فيه، ولم تهرب من سورية، منهم عائلات تركت لبنان، وعاشت هنا عندما وصل أولادهم لسن المدارس لأن الدراسة عندنا مجانية وفي لبنان مكلفة جداً . .
مشفى الباسل في طرطوس كان في مرحلة من مراحله يستقبل المئات من اللبنانيين للمعالجة المجانية، كما البيوت السورية التي استقبلت الأسر، ولم تبن المخيمات ولم تطلب المساعدات من المنظمات الدولية، ولم نسمع تصريحاً من مسؤول عن خيبات وعجز و . .
قال لي عجوز لبناني: معظم الأسر اللبنانية المعروفة في طرابلس من أصل سوري، وأخذ يعدد الأسماء المعروفة وقال: الكثير من السوريين يعيشون هنا، ولم يتجنسوا، البلاد واحدة، لم تمنعنا الحدود المرسومة من الحياة، والزواج، والتنقل، والعيش . . وحدها السياسة تصنع الحدود، وتهدمها قوة الحياة.

سعاد سليمان

تصفح المزيد..
آخر الأخبار