وقال البحر.. العائد والذاكرة

الوحدة: 22- 6- 2020

 

يتجه وابنه إلى مكان العزاء، والصمت يخيّم على الرؤوس المنكّسة، تحيط بالعجوز العائد أجواء الحزن والموت، يفكر بالنعش المحمول على الأعناق، احتضنت مقبرة البلدة الكثيرين من زملاء الطفولة وبعثر الزمن آخرين في بلاد متفرقة، وهو متى تحين نهايته؟ سرادق كبير مفتوح من جوانبه يقوم على أعمدة حديدية يسهل فكّها وتركيبها، يلتفت إلى الجالسين في صفّه، هنا مسنّون مثله تجاوزوا الثمانين لا يذكر أسماءهم، كأن وجوههم معالم مطموسة، شباب يجمع بينهم الذهول والكآبة، تحاصره الأخيلة والوحشة، يحاول أن يخترق أغوار الماضي فلا يستطيع، يحجبه ضباب كثيف، أين الصور القديمة والذكريات الدفينة؟ يمضي الوقت بطيئاً ثقيلاً، تمتلئ المقاعد وتفرغ، أصوات تقدم العزاء وكلمات عن العمل الصالح والأجر الكريم والقيامة والفوز بالجنة، يتأمل العائد ملامح جليسه المسنّ، فلا يتسلل من الزمن البعيد وميض، من هذا الهائم بين الوجوه الغائبة؟ من هذا الشبح التائه في دروب العمر؟ لم يستطع أن يلتقط أيّ أثر، يخاطبه الرجل العجوز…

– أما تذكرني؟ كنا على مقعد واحد في المدرسة الابتدائية.

يفكر العائد (يا إلهي إني لا أذكره فمن يكون)؟.

أفنى العجوز العائد عمره في أرض الاغتراب وأنهكته الأيام وأحداث الدهر، وقد عاد مع ابنه إلى بلدته بعد مشاركته في مؤتمر اقتصادي بدولة مجاورة.

تشيخ ذاكرته وتغيب الأحداث يعتذر لزميله:

– إنه الزمن، لا تعتب عليّ، أصبحت هرماً كما ترى وغدت الذاكرة مضمحلة جافة، ولعلي أتغلب على النسيان والغياب.

 عزيز نصّار

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار