الوحدة: 15- 6- 2020
تفتحت أجمل فتاة في المدينة كوردة عاشقة، ارتدت ملابس زاهية، همست في أذن جارها الشاب بكلمة سحرية، فتدفق جدولاً من غناء وحب، سكبت الكلمة في سمع مريضة فشفتها، قالتها للريح المجنونة فسكنت.
همست الفتاة الجميلة بهذه الكلمة في أذن عجوز فاشتعل قلبه وأحبّها كروحه همست بالكلمة في أذن آخر فجعلته حجراً أصم.
ردّدت الفتاة الجميلة تلك الكلمة أمام تل صخري فمنحته الأحاسيس المرهفة وصار يتراقص، همست بتلك الكلمة لرجل يكاد يطويه الموت، دبّت الحياة في عينيه الخابيتين، انتفض من فراش الموت، وهو يخفق بالحب والحياة، وملأت الغبطة صدره، تهمس لآخر فيتلاشى خوفه.
أخذ كثيرون يأتون إلى الفتاة الجميلة، يأتي من لا يعرف لغة الحب، ويأتي من هجرته حبيبته ومن تاه في طرقات الحب، تهمس الفتاة بكلمة تجعل الرجل يغفل عن امرأته، ويضيّع الطريق إلى بيته، كلمة تجعل النساء ينسين أزواجهن، وتجعل العفاريت تهدأ وذوي الحكمة يفقدن عقولهم، بدأ الناس يقتتلون بسبب هذه الكلمة كأنها ماسة نفيسة، وبدؤوا يتعانقون بسبب هذه الكلمة كأنها النور والخلاص.
انقسم الناس فريقين، فريقاً يقول:
– مباركة أنتِ أيتها الكلمة السحرية
وفريقاً يقول:
– ملعونة أنتِ أيتها الكلمة.
×××
خبّأ أجدادي وصاياهم في صناديق مغلقة مليئة بالأسرار وزرعوا الوصايا وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة وعاش جدي والد أبي ورأسه يزدحم بالأقوال القديمة، وكان يتحدث عن العالم السحري لتلك الوصايا التي ورثها، وقبل موته الجليل أمسك بيد أبي وأوصاه بصوت مرتجف أن يحفظ ثلاث كلمات ليصبح سعيداً موفقاَ، وأكد أن وصية الأجداد عظيمة، فوعده أبي أن يحافظ عليها كما يحافظ على عينيه، وأخذ يردّد أنه يسمع نداءات خفية تذكره بالوصية، لكنه عندما دنا شبح الموت منه نسي كلمتين، وقبل نهايته أمسك بيدي ونقل لي بصوت مرتجف كلمة واحدة احتفظت بها حية لأورثها لابني.
كنت أتقلب بين السعادة والشقاء ولما اشتعل رأسي شيباً وكبر ابني نسيتُ الكلمة، أحسست بالأسف والأسى وساورتني الهموم، اعتذرت لأجدادي وفكرت: هل يتغير مستقبل ابني لو نقلت له تلك الوصية؟ وهل تتحول حياته فتصير حياة أخرى؟
أما ابني فقد عاش سعيداً هانئاً دون وصايا.
عزيز نصّار