الوحدة : 12-4-2020
للفنان طقوس خاصة للإبداع، وهو يتأثر بما حوله أكثر من غيره، ونهاره يختلف عن نهار الإنسان العادي في الأوقات العادية فهل هو كذلك في هذه الأيام الخاصة التي نحياها؟
كيف يمضي الفنانون فترة الحجر الصحي وحظر التجول، وما الذي ننتظره من جديد بعد هذه العطلة الطويلة؟
تؤكد الفنانة هيام سلمان ما أتينا على ذكره وتضيف: لعل الفنانين من أكثر الناس حاجة للكثير من الوقت الذاتي لأن الفن يحتاج إلى تلك الخلوة التي يحتاجها العمل الفني، بالنسبة لي هذه فرصة كبيرة جداً وانا أستغلها بأفضل ما يمكنني، منذ بدء الحجر المنزلي فردت بقايا القماش الخاصة بأعمالي الفنية وبدأت، حتى اليوم أنجزت أكثر من خمس عشرة عملاً بمقاسات صغيرة 20×25 إلى متوسطة الحجم 50×70 أعمل يومياً ما بين ثلاث إلى سبع ساعات، سعيدة جداً بما أنجزته حتى الآن استعدادا لمعرض قادم، أتمنى أن تكون أوقات الحجر المنزلي الصحي مثمرة بالنسبة للجميع وفرصة للتفكير وإعادة النظر في ترتيبات حياتية ومشاريع مستقبلية بالنسبة إليهم.
ويتشابه موقف الفنانة مع موقف النحات إياد البلال الذي وجد في العطلة الطويلة مجالاً لتوسيع دراساته وأبحاثه حيث يقول: إنها فترة حظر تجوال في الطرقات، لكنها انفتاح كل طرقات البحث والفن والتجريب وإنزال المؤجل على طاولة البحث والعمل، حقيقة إنها فرصة ذهبية لإعادة التقييم الفني وبلورة الرؤى، صرت في زمن الكورونا أعمل ساعات أطول في استكمال الرؤيا لبحثي النظري والفني،
وصار هناك متسع لأعمال كانت محتملة، ستمر هذه الفترة كغيرها من جوائح وحروب لذا علينا أن نعمل في مجالاتنا بصدق، و أن ننتهز الوقت لإنجاز أبحاثنا،
وهذا ما أعمله كل الوقت، أستكمل أبحاثي عن أزمات الإنسان المعاصر، عن الحرب الحب والموت، عن جلجامش وحضارات المكان، عن وجوهي وفراشاتي وعن الإنسان المقهور.
ولم يقتصر نشاط الفنانين على مجال الأبحاث وتطويرها فها هو التشكيلي عدنان حميدة يجد متعة في رفقة عائلته بالإضافة إلى خوض تجربة جديدة: بالنسبة لي اقتصر عملي على اسكتشات ودراسات لمشروع جديد، ولكن الوقت الأكبر كان للتدريس أون لاين مع الجامعة العربية الدولية وهذه تجرب جديدة لي، ألهتني حتى عن متابعة أخبار الكورونا والجلوس في البيت كان فرصة لي التعرف أكثر على بيتي وأولادي، بالنسبة للفن ربما تكون تجربة جديدة مختلفة عن التجارب السابقة ليس فقط لي وإنما لكثير من الفنانين.
وبين الفن والكتابة يمضي مؤيد كنعان هذه الفترة فما الذي سيقدمه تالياً: الظروف التي أدت إلى هذا الحجر العام، جعلتني أعاني فقط من جانب واحد أنني تمكنت من السيطرة على أهم الأوقات وأجعلها في قبضة الألوان والأشكال التي بصدد تخرجها إلى لوحات فنية، هكذا أقضي معظم الوقت تحضيراً لمعرض جديد عما قريب إن شاء الله.
أؤمن بأن الكثير من الأحلام تلقى مصرعها في طواحين الفوضى، إنها الطواحين الصدئة التي تحيط بي من كل حدب وصوب، وأنا شديد التأثر بهذا المحيط الصاخب والمدمر إذا جاز التعبير، حروب، مجاعات، كوارث، أوبئة.. إلخ، وأنا بطبعي أميل نحو العزلة أكثر، شريطة أن يتوفر كل ما ينقصك ولا يعاود الرحيل عنك..
في العزلة لا أتذكر بقدر ما أتذكر، بأن لدي ما علي إنجازه ولا يحتمل التأجيل أكثر من ذلك جراء ظروف صعبة بل قاسية جدا في أكثر من محور، وعلى جبهات متعددة، والتعب سيد من تصدر كل هذا وتجبر..؟! فأنا لا أستطيع التفرد بما أود وأرغب فيه كالتشكيل بالألوان أو بالنصوص التي تكاد تضعف وتنطفئ تحت هول ما يحدث في العالم بشكل عام وفي محيطي بشكل خاص، لكن فترة الحظر التي فرضت علينا (ورب ضارة نافعة) قد أعادت لي قسطاً واسعاً من الهدوء لتصحو تأملاتي اللونية من ثباتها وتبدأ صلاة الشغف، لذلك وبعد هذا الاعتراف أجدني في زمن قياسي أنجز تباعاً ما أختزنه في مخيلتي من الأعمال كفرصة للتحضير، من أجل معرضي الثالث، مستكملاً روايتي المتوقفة منذ زمن ريثما أيضاً تنقضي كل مراحل الحظر وانحسار هذا الوباء عن بلدي وعن البشرية جمعاء، وألا نقيم في الانتظار لفترات أطول..
ولم يثن الحجر عزيمة الموسيقي غزوان العبد وقد عرفه الجميع مبتكراً لأفكار جميلة لونت سماء الطفولة بالفرح والنغم الجميل في رحلة بحثه عن المواهب، حول ذلك يقول: منذ البداية كانت ثقتنا موجودة بما يتخذه الفريق المعني من الحكومة
والتزمنا بكامل القرارات الوقائية المطلوبة، وبدوري كمربٍ و قائدٍ (لأوركسترا حلم) لطلائع البعث وبالتنسيق مع قيادة فرع اللاذقية لطلائع البعث قمنا بالتواصل اليومي مع كافة الأطفال الطليعيين من أوركسترا حلم لإرسال رسائل توعوية من الأطفال المشاركين عن طريق القيام بتصوير مقاطع فيديو عن نشاطهم المنزلي المترافق مع مواظبتهم للدراسة، ونقوم بنشر هذه الفيديوهات بمعدل خمس فيديوهات كل يوم على صفحة أطفال سورية / طلائع اللاذقية بالإضافة إلى المشاركة على حساباتنا الشخصية، وهذا كان له الأثر الإيجابي لدى نفوس أطفالنا وذويهم، والجدير بالذكر أن عدد أعضاء أوركسترا حلم لطلائع البعث فرع اللاذقية قد بلغ 225 طفلاً
أي أن هناك 225 عائلة نحن على تواصل يومي معها من كافة أنحاء أحياء اللاذقية، والمشاركة على كافة حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي برسائل التوعية الصحية والتوصية للبقاء في المنزل.
نأمل من الله أن تمر غيمة كورونا على خير، والعودة إلى نشاطاتنا وفعالياتنا الطليعية.
وللدكتورة فاطمة اسبر فلسفتها الخاصة في التعامل مع الوضع وهذا ما ذكرته حول ذلك: تبدو الكرة الأرضية سجناً كبيراً، في هذا الزمن الذي استطاع فيه فيروس غير مرئي أن يقفل على البشر أبواب بيوتهم ويعطيهم المفتاح، لكنهم يرفضون الخروج خوفاً ورعباً..
أرى العطلة فرصةً ذهبيةً لولا ارتباطها بالذعر من مرض مجهول المنشأ ومجهول الدواء، تبادرت إلى الذهن وتبادلناها أحاديث، في المنزل مع العائلة وعلى صفحات التواصل، والذي يثير الدهشة والألم تلك التناقضات التي برزت في إبداء الرأي وفي تلقي المقولات الكثيرة المختلفة الوافدة إلينا أو الصادرة منا والتي جعلتني أتأكد بأننا مازلنا في البداية من كل شيء، لكن البداية التي تزحف على ظهرها وليس على يديها.
الحجر ليس سهلاً، وبخاصة في ظل انعدام آلية تأمين الحاجة، فقد نفد من عندي زيت الرسم ومادة النفط وهما أساسيتان بالنسبة لي، لأنني أرسم بالزيت فقط ، ولم أستخدم الأكريليك، لذلك وجدت صعوبة نسبية في هذا الحجز، وصرت أباعد بين فترات الرسم حرصاً على المواد، وأقوم بعملية تقنين في استخدام خليط من الزيوت، من أجل الرسم قليلاً، في بداية الحجر أنجزت بعض الأعمال، وأسست لعدة أعمال، أشتغل عليها ببطء، لكن الدرس الذي تعلمته أن مسألة التموين لمدة أمر مهم، فلم يكن يخطر ببالي مسألة كهذه، لكن بالمجمل لابأس، عدة أعمال إن شاء الله سأعمل على تنفيذها..
عملية الحجر فتحت مواجع كثيرة، ونأمل أن تكون درساً لبناء شامل متكامل، فقد يكون الفن عاملاً مريحاً للفنان ولمحبي الفن لكنه لن يكون جهاز تنفس لمن يعاني
ولا رغيف خبز لجائع..
وفي الجانب الآخر لم يقدر بعض فنانينا الانفصال عن أجواء الحزن والكآبة التي فرضها لون الموت الذي يخيم على مساحات كثيرة في العالم، فالفنان عيسى سلامة التزم بشروط الحجر الصحي ولم يقصد مشغله بسبب حظر التجول، وهو يتبع التعليمات بانتظار انتهاء هذه الفترة وعودة الحياة الطبيعية.
أما الفنان التشكيلي إسماعيل توتنجي المعروف عنه نشاطه وإشرافه على ملتقيات فنية أبرزها (بسمة وطن) لم يكن قادراً على الابتسام هذه المرة أو الهروب إلى لوحاته، يقول توتنجي: في الحقيقة ربما تختلف الطقوس من فنان لآخر عندما تتعلق بمثل هذه الظروف، وعن نفسي أنا تختلف الظروف كلياً أنا أشاهد الألم والخوف من الموت الذي يصول ويجول في أرجاء الكرة الأرضية، فلا أجد شعوراً يدفعني لإنجاز أي عمل فني وهذا يتناسب مع طبيعتي كفنان، الفن كتلة من المشاعر الرقيقة، فأي مشاعر تتراود في هذه الظروف الصعبة التي أعتبرها كابوساً، لعنة، دماراً للبشرية، ولا أعتقد أنني سوف أجمع أفكاري وأتحلى بالصبر وأنا أجسد آلام وعذاب البشر، الموت والدموع، الأفضل أن نترك اللوحة ربانية، تحاكي الكون،
لأنني في النهاية بشري أحس وأشعر وأتألم، فلا أستطيع تجسيد أي عمل واعتباره لوحة فنية على حساب البشرية، لهذا أقول، أفضل الصمت والتأمل كالباقي من البشر إلى أن تعود الحياة من جديد، ووقتها أرسم البسمة والأمل، وأنا أرى في عيون البشر رمق الحياة.
أعتذر لأني ربما أختلف عن غيري ولا أتحلى بقدرتهم على تجاوز ما حولي لكن هذه هي حقيقة مشاعري ولا يمكنني أن أزيفها.
نور نديم عمران