الوحدة:6-4-2020
جائحة الكورونا حولت الكوكب الأزرق إلى قرية صغيرة، حيث وحّد هذا الفيروس المستجد المجتمع، فلا فوارق طبقية أو عرقية أو دينية ولا غيرها.. ولعل أهم ما طفا على السطح هو افتضاح قيم النظم الرأسمالية وانهيارها، تلك النظم التي ألغت قيمة الإنسان وحولته إلى مجرد رقم في معادلة تعطي في تخريجاتها المال، الذي هو القيمة الوحيدة والغاية المطلقة لديها.
الآن وفي خضم الكارثة نحن أحوج ما نكون إلى القيم الإنسانية النقية، أحوج ما نكون إلى التعاون والتعاضد في النواحي الطبية واللوجستية وغيرها من أشكال التعاون الشعوبي العابر للحدود وللقارات تحت سقف الإنسانية وحدها، كل شيء توقف الآن ولم يبق سوى هاجس واحد تحت هذه الشمس كيف ننجو بالسفينة من هذه الكارثة لنصل إلى بر الأمان بأقل الخسائر؟
الدكتور المهندس سنجار طعمة معاون المدير العام للمركز الوطني لبحوث الطاقة نقف معه عند تفاصيل غابت عن أذهان أغلبنا بدءاً من الفعل الفردي الذي لم يعد ينجي وانتهاء بصوابية عمل الفرق الجماعية التي أضحت المسار الملزم للجميع.
بدأ الدكتور سنجار حديثه قائلاُ: الوقت أمضى من السيف فالموت قادم لا محالة إن لم تتحرك مسرعاً بالاتجاه الصح، فما بالك إذا كان السيف جسماً مكرونياً منتشراً في كل تفاصيل الحياة، فبأي الاتجاهات سوف تتحرك، وإن نجوت فما بال أحبتك في بلدك، فاليوم الفعل الفردي لم يعد منجياً، القبعة لا تقي من البرد، فرق العمل لم تعد خياراً بل مساراً ملزماً، طريقاً وباتجاه واحد one way لفتحة النجاة، تصيح في رأس الأمم، تابع طريقك لتصل لا تقف ولا تنظر وراءك، اليوم أعمال الأفراد يجمع لينسج منها ثوباً جميلاً دافئاً يقي المجتمع وأفراده من صقيع الأزمات، فأضحت للحرية الفردية حدود مرسومة بعناية لتنسجم مع ألوان وأطياف البشر، فالثوب الجميل مزركش بألوان منسجمة مبهجة، أما الثوب ذو اللون الواحد بارد باهت المشاعر حزين أيضاً، والثوب الجميل هذا مشكل من قطب وكل واحدة منها مهما كان لونها لها وظيفة محددة لتقوم بها ولا غنى عنها.
تابع د. طعمة قائلاً: لنصنع ثوبنا الذي يليق بنا، علينا أن نوظف عقولنا في بوتقة واحدة تتحاور تتنافر تنسجم تتصارع وبالأخر هنالك نتاج فكري جميل ورائع ويمثلنا أجمل من فكر أي فرد منا، فصناعة المستقبل تحتاج إلى عقول الجميع أولاً وسواعدهم ثانياً الكل قلب واحد ويد واحدة، لبناء كبير يليق فينا، بمؤسساتنا، وببلدنا، فالأبراج وناطحات السحاب والجسور المعلقة لم يعد بالإمكان بناؤها من قبل نجار باطون، بشاكوشه ومساميره بالوزرة وخشباته المكسرة لم يعد ممكناً.
المؤسسات الحديثة تقوم على عقول وسواعد العشرات بل الآلاف من العاملين فيها، يفكرون سوياً ويعملون سوياً، وفي الأزمات يتعاطفون سوياً.
في ذلك الزمان كان الكل في قرية واحدة، قرية عالمية، الموسيقا اجتاحت العالم، أشكال الطعام واللباس، فرق كرة القدم، وأضحى الشباب يشجعون رونالدو أكثر من أخيه وأخته، وأضحت الأزياء عالمية موحدة، غدونا نتواصل مع أصدقائنا في الصين وأمريكا في الهند وألمانيا، لم يعد للخصوصية مكان كبير فالأخبار العالمية تهمنا مثل المحلية أو أكثر.
كل ذلك كان، واليوم أصبحنا الآن وعلى قريتنا هبت عواصف الأزمات، حروب منشرة متنقلة من بيت لبيت إرهاب تنقل من بيت لبيت، أوبئة تتنقل من بيت لبيت، ومن اعتقد أن المشكلة في بيت جاره فهو واهم وأهم من وهمه أن النار قادمة لبيته، فلم يعد إلقاء اللوم مفيداً ولا مجدياً ولا منجياً.
كورونا يا ناراً في الهشيم من أشعلك لم يعد ذا قيمة، الحرائق في كل مكان، والاكتشاف المهم هو أننا في سفينة نوح كل الأزواج عليها، وما كورونا إلا العاصفة القوية التي أقنعت الجميع أننا لسنا بقرية متماسكة بل سفينة بمهب الريح.
الكل ينوح، يبكي ويصيح، يصلي، يدعو هل من مجير، والبعض هب للنفير، يا شعبي لا تستسلم يا إدارتي لم يعد بالإمكان الاعتماد على التراب والكريك لإطفاء الحريق، فالأدوات البالية لم تعد تنفع، فالعالم أصبح يستخدم السيارات والطائرات ليطفئ النار، ولكن السر في إطفاء الحرائق ليست الطائرة والسيارة العملاقة فقط بل بالمواد المناسبة التي ترش على النار، السر الأهم كامن في قلب رجال الإطفاء، الأطقم الطبية المستعدة للتضحية بأرواحهم.
الالتزام النابع من الثقة
وأكد د. سنجار أن سر شفاء الصيني، الالتزام النابع عن الثقة بالآخر وبالإدارة وثقة الإدارة بالأخرين، والثقة تغمض عيون الريبة والحذر وتقدم بقوة وثقة على العمل، الشيء الثاني هو التعاطف والتعاضد بصدق وجسارة، وليس استغلالاً وحقارة، في الأزمات الناس يتصرفون بطريقتين الأولى باللامبالاة والتقوقع وانتظار الفرج من حيث لا يدرون ويجلسون يشتمون الإدارة ويستنجدون الله.
الطريقة الثانية هي ركوب موجة وهنا نوعان من الأمم، الأمة الضالة يركب الفاسدون موجة استغلال الأزمات، فيتاجرون كلهم بها (السياسيون وأصحاب المسؤوليات والتجار ورجال الدين … وغيرهم) فالكل طامحون ليبنوا المباني في مناطق المخالفات، يبنون قصوراً على الرمال، لن يستفيدوا منها ولن يقطنوها يوماً فالعاصفة ستزهق أرواح الجميع (لا أقصد موت الأجساد)، والأمة المهدية للصواب ترفع الشعار التعاطف والتكاتف لمصلحة الجميع والكل يضحي يقدم ويساهم بما استطاع إليه سبيلاً ولا أحد لا يستطيع، فالأطقم الطبية التي ودعت أبناءها وذهبت لتعالج المرضى هم أبطال المعارك، نذروا أرواحهم للجميع للوطن، هؤلاء في المقدمة والجميع في خدمة الجميع يتقاسمون الطعام والهموم يتعاضدون بالكلمة الحلوة بالخبر المفرح، بتعليم بعضهم بأي شيء كل يستطيع أن يقدم شيئاً ما وأحياناً صمت البعض هو نعمة للآخرين، ومن لا يستطيع ما هو إلا جسد روح ميتة.
نور محمد حاتم