الوحدة : 31-3-2020
يعاجلني الرحيل يريدني أن أمضي بعيداً في زحام الساحات والزواريب الضّيقة، ملقياً بخطواتي على أرصفة ضاقت بعابريها.
قافلة الذكريات تطرق عمري الشائك, تريد أن تعبّ بعض الضوء لتسكبه في خابية روحي.
في حين أخذت قوافل من مطر تتهاطل فوق غابة منسيّة، وثمّة موسيقا تتأرجح على مهوى شجيرات عاريات تبعثرت أوراقها في مهبّ العاصفة.
×××
حنوت على ذاتي، ورحت أرشف ملح دمي، وحملت مناديل وداعي ورحت أوزّعها على أرصفة الموانئ، فلربّ ريح شرقيّة تعصف بي وتلقيني على سارية سكرى، وقد ترنّح مجدافها والشراع..
×××
حافياً راح صوتي يرقص في المنحنيات، حيث أخذ الحزن متّكأه تحت فيء شجرة الكينا.
كان حزنه كحزن الأنبياء، كلمّا اشتدّ لاهبه كلّما أضاء محبّة وتسامحاً، ورأيتني أتمتم:
اهدري أيتها الأوجاع، فأنا من سيمتطي صهوتك، ويجلدك بسياط صبره، ولسوف تسلسين انقيادك..
×××
مسحوراً بالأمل المنّدى, رحت أرخو قميص الغد, وأعمّد بالرضا قلبي, ورأيتني أستعيد حديث الشبابيك التي سامرتني يوم كان الحبّ يولم فيض خوابيه, ويوزعه على القلب المنتشي بخفقاته.
×××
لطالما أدركت أنّ لكي شيء محوراً يدور عليه، وعليه تدور حركته, وكلّما كان قلبي ينبت خوفي ظلّ خوفي يشعل قلقي، لذا كان لابد من إعادة النظر في المحور الذي أدور عليه, وتدور معه انفعالاتي، ورأيت أنّ خير وسيلة لذلك هي أن أسمح لبقعة الضوء أن تتسع شيئاً فشيئاً موقناً أن الفجر فتح عيني على الحياة هو عين الفجر الذي سيغمضهما وسيغنيني عن الحياة.
×××
يتقن بعد عمر من المعاناة أن في المحبّة خلاصاً من كل معاناة، لذا رحت أغسل ما علق في قلبي من أدراك عمر مضى, مؤملاً وساعياً بألا يدخل جوفه إلا المحبة, ومستذكراً كلاماً للأديب الكبير ( ميخائيل نعميه) يقول: (إذا شئتم أن تملكوا أعنّة قلوبكم فعليكم أن تعجنوا شهواتكم صالحها وطالحها في معجن واحد, هو معجن المحبة, كي تخبزوها في تنّور واحد هو تنّور الفهم المقدّس)
سيف الدين راعي