الباحثة و الكاتبة راغدة محمود : اللغة العربية لغة العلوم و سيّدة الثقافات في زمن زهوها الفكري و كذلك ستكون لغة المستقبل

الوحدة : 27-3-2020

الكاتبة و الباحثة راغدة شفيق محمود تعمل مدرّسة للّغة العربيّة في ثانويات وزارة التربية السوريّة و هي عضو في لجنة التمكين للّغة العربيّة ، ورئيسة تحرير نشرة لغتنا هويتنا التي تصدرها اللجنة الفرعيّة للتمكين للّغة العربيّة في طرطوس.

 صدر لها كتاب نحوي على مسرح الإعراب الذي يهتم بقواعد اللّغة العربيّة من خلال الفنون الأدبية المسرح والقصة والشعر والسيرة الذاتية ، كما سيصدر قريباً كتابها الرسم بالحروف والكلمات في قواعد الإملاء .

هي تؤمن بأنّ العمل الفردي لا يرتقي إلى العمل الجماعي لأنّ حماية اللّغة العربية تحتاج إلى تضافر جهود المجتمع عامة حكومات وأسرة ومدرسة ومناهج وسائل الإعلام . 

 مؤخراً أطلقت الباحثة الكاتبة راغدة محمود  مبادرة فردية لمساعدة أيّ طالب علم في مناهج اللّغة العربيّة السوريّة في خطوة  لتشجيع كافة المدرسين من أجل مساعدة الطلبة بعيداً عن الدروس الخصوصية إثر قرار تعطيل المدارس ضمن الإجراءات الاحترازية للتصدي لوباء كورونا ، وذلك من خلال نشرها بعض النماذج والقواعد الأساسية و الردّ على أسئلة الطلبة عبر الماسنجر أو على حسابها الشخصي على الفيسبوك ، أو على مجموعة مسرح الإعراب آملةً التفوق و النجاح لطلابها في البكالوريا كونهم أمل البلاد وسواعدها التي تبني المستقبل.

صحيفة الوحدة التقت الباحثة و الكاتبة راغدة شفيق محمود و أجرت معها حواراَ شاملاً حول مساعيها الدؤوبة من أجل تمكين اللغة العربية و استعادة مكانتها المرموقة ضمن رؤية تلخص مسيرة زمنية تربط الماضي بالحاضر فكان الآتي :                                                   

– بوصفك باحثة  وكاتبة مهتمة باللّغة العربيّة الفصحى كيف تجلى دورك محلياً و إقليمياً بنشر التوعية الثقافيّة حولها  ؟.    

–  لغتنا العربيّة هي سلسلةٌ مترابطةٌ من القيم الروحيّة المقدسة والمشاعر والأحاسيس والأنظمة والعقائد الّتي تجمعُ العربَ حولَ عنق العروبة .

فالوحدة اللغويّة استطاعت التفوق على وحدتنا السياسيّة الّتي مرّت بعصور ودول وبقيت لغتنا صامدة تستنهضُ أبناءها للتغلب على المحن والرزايا التي ألمت بهم .

 ومن واجبنا كأبناء بررة أنّ ندافع عن لغتنا وندفع عنها ما أصابها من محاولاتٍ لتشويهها وأحياناً لطمسها .

– ما التحديات التي تواجه مهمة تمكين اللّغة العربيّة والأسباب الرئيسة لانتشار اللحن في اللّغة العربيّة الفصحى؟.                     – محاربة الفصحى كانت مع بداية الاستعمار الغربي لمّا للّغة العربيّة من أصالةٍ وأهميةٍ  ، فاستطاعَ نشرَ الفرنسيّة والانكليزية وأضعفَ شأنَ العربيّة وكان للعربِ دورٌ في ذلك ومن يقرأ للطيب صالح  روائي سوداني ( موسم الهجرة إلى الشّمال ) يجدْ البطلَ مصطفى سعيد يقفُ أمامَ القضاةِ الانكليز وقد عيروه بأنّهم أقاموا المدارس في بلده ليعلموا شعبه ، فرد ( بنيتم المدارس لنقولَ لكم نعم بلغتكم ) .

 نحن أمامَ هذا  التخلفِ والانقسامِ وتقصيرِ مجامع اللّغة العربية والجامعات في إعداد الخريجين وعدم الانتباه لما يصرح به الأعداء . قالَ  ( ليفي إشكول ) أحدُ قادةِ الكيان الصهيوني ( لن نسمحَ بوجودِ لغة واحدة ودين واحد وشعب واحد في الشّرق الأوسط ) و     ( ابن غوريون ) أوّل رئيس وزراء للكيان الصهيوني ( لن نخافَ العربَ إلا إذا رأيناهم يقرؤون القرآن ويسيرون على ما فيه من أحكامٍ , لذا واجبنا تحطيمُ وتفتيتُ وحدةِ المسلمين أيّنما كانوا بالقضاءِ على الدين ولغة القرآن ).

 إذاً نحنُ أمام تحديات ثقافيّة وسياسية وفكريّة اتسعت عبرَ الأيام وهذه الانهيارات في مبنى اللّغة ومعناها ترميمها لا يكون بين ليلة وضحاها بل يحتاج لخطط على المستوى القومي .               

– هل من المتوقع أن يكون للّغة العربيّة دور منافس مع اللغات الأخرى؟.                                                                          – أنا أثقُ أنّ هذه الهجمات عاجزة عن قطعِ صلتنا بأجدادنا وهذا ما تثبتهُ الأيام فعندما كتب الروائي الفرنسي جول غابرييل فيرن  روايته الشهيرة ( رحلة إلى مركز الأرض ) والتي صدرت عام /1873م/ بناها على أساس الرحلة الخيالية ، ويجب أن نشكره لأنّه أفضل من كثير ممن يدّعون الثقافة العالمية فهو يقرّ داخلياً برحلة المعريّ الخيالية وإن لم يصرح بذلك جعل أبطال روايته يدونون باللغة العربية نقطة الوصول لباطن الأرض وعندما سُئل عن السبب قال ( إنّها لغة المستقبل ) نعم لغتنا قوية ومتينة وتحتاج اهتمامنا ورعايتنا ولديها الكثير من الأبناء المخلصين الذين يعلمون أنّها أقربُ اللغاتِ إلى المنطق وأكثرها اختصاراً وتستطيعُ التعبيرَ عن خوالج النفوسِ دون تصنّعٍ أو تكلّف ,والكثير من أبنائها لم يرتهن للخارجِ لتسويق أفكارِ الخارج عن قضايانا بل ظهر عدد من المفكر ين العرب على الساحة الفكريّة العالمية جعلوا للغتنا مكانتها بين لغات العالم . .                                       

– إذاً ما هي عوامل النجاح والمعوقات؟

– المجتمع العربي يعتبر اللغة العربية الفصحى لغة وطنية مع احتفاظ بعض مكوناته البشرية بلغتها الأمّ في حياتها الأسرية الخاصة (الكرد ، التركمان، السريان، الشركس…..) فاللغة العربية لغة العلوم وسيّدة الثقافات في زمن زهوها الفكري تقف اليوم خجلة بثوبها المرتوق في قاعات الاحتفالات الفخمة وهي ترقبُ بحزن هذه التحديات المعاصرة. والتي تبدأ بضياع الطفل العربي منذ سني حياتهِ الأولى ومواجهتهِ لتحديات ثلاث:

١-  اللغة الأمّ التي نشأ عليها في المنزل وأخذها من أفواه العائلة من المناغاة والأغاني فيتأثر بلهجة بيئتهِ الأسريّة اللهجات .

 ٢- اللغة الوطنية لغة المناهج التي تكتب باللّغة العربيّة الفصحى وهي لغة التفكير والاستيعاب والاختبارات العلميَّة في المدارس ومطالعة الكتب الأدبية والتراثية العريقة .

3- اللّغة الأجنبية التي تزاحم لغتنا وغدت تمتلك المكانة الأرقى والأعلى عند بعض الأهل والمدارس والجامعات الخاصة.

 ويجب على الحكومات عند اختيار لغات أجنبية لتدريسها أن تنطلق من انتشار هذه اللغة وقدرتها على نقل العلوم العالمية وليس وفق نظرات سياسية ضيقة لا تخدم مواطنيها وأمام هذه التحديات نقف أحياناً عاجزين في تقويم اللسان وتهذيبه للنطق باللّغة العربيّة الفصحى .                                                                           * ما رأيك حول ما يتم نشره و تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي و تأثيرات ذلك  بالعموم على أفكار الشباب ؟.

– تحوّل المثقفون العرب معظمهم إلى محللين سياسيين وشعراء ينتقلون من محطةٍ لأخرى ومن مركز ثقافيّ إلى آخر .

وبنظرةٍ خاطفة سنجد آلاف المحطات وملايين الصفحات السياسية والأدبية التي تتحدثُ عن السياسة والدين و الانقسام تحتَ شعارٍ واحد ( أنا مع وأنت ضد فأنت عدوي). العداوة عندَ العرب تعشعشُ في أدمغتهم المترفةِ بشهوة الثأرِ وصهيلِ الخيولِ وشحذِ السّيوف وعلى أصواتِ صليلها كُتبت آلاف القصائد الصّماء في التمجيد والتأييد والوعيد والرّثاء والفخر والغزل الفاحش .

 وعلى وقع أحرفِ الهمسِ والجهر ووسوسة السّياسة والدين لم يستطعْ العربُ استخدامَ لغة الشك والتحليل المنطقي لواقعهم المتردي حيث فقدوا ذهبهم الأسود والأبيض والأصفر ليشعلوا نارَ ثوراتهم ضدّ حكوماتهم ولتبدأ تجارة الأسلحة مع الغرب بدلاً من تجارة الحرير والعطور والأرجوان .

أمامَ لغة السّكاكين والرّصاص ضاعت كلماتُ المثقف العربيّ الوطنيّ النبيل الذي حاولَ لعقود الارتقاء بالواقع فسقط في مستنقع السّياسة ودهاليزها وما نفعُ قطرةٍ نقيةٍ من الماء تسقطُ في مستنقعٍ عفن بأفكاره المتطرفة التي تُفرَض من الخارج وما نفع القصيد والكلمة العصماء في زمن البحث عن الأمان والخبز والماء.

نقرأ الكثير من الدواوين التي تتحدث عن الواقع العربي الحالي المشتعل بحروب طاحنة ويصعدُ الشّاعرُ إلى المنبرِ وكأنّه مبتكر لغرضٍ جديد يجب أن تصفقَ له وأن تغدق عليه بالثناء والتكريم وتنساق لوجهة نظره وإن كانت خاطئة.

العربُ تدخل في ناعورة الزمن وأنينه فكلّما حاولت النهوض من كبوتها صفعها مستعمر دخيل وأعادها إلى غيبوبة تطول وتقصر بظهور مفكرين يرفضون الفناء فلا تكثروا من الكلامِ الضّحل الّذي لا قيمةَ له .

كن صاحب مبدأ للخروج من قوقعة التخلف والانقسام وعندها سيصفق لك الجميع وتُخلد قصائدكم وأعمالكم الأدبية (البلاد تبنى بالأفعال لا بالأقوال وكثرةِ الكلام وبسواعد الشباب.

ازدهار علي

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار