العدد: 9556
الثلاثاء : 24 آذار 2020
دؤوبٌ هو البحث عن الرؤى التي تسكن همساتنا وتوالي مسيرٍ لخطوات الأنفاس خاصة عندما يعلو فوق منصات الذاكرة، وغوصٌ في قاع الحب يلاقي شغفاً يملأ نبض استفهامنا، ومع هذا تبقى جدلية العبور بين ضفتّي الخلق, تزرع الإبهام على أرض الجمال، من ضفّةٍ صاغت امرأة، مرّت مع غيمة، امتطت موجة وعانقت إعصاراً، امرأة بحثت في تلافيف القلب عن سراديب السؤال، فعانقت دفء الروح. إنها الشاعرة ماجدولين الجرماني, هذه المرأة احتضنتها المفردات لتنجب منها صدىً تأنّق مرابطاً مع نساءٍ وَشَمنَ هذا الزمان، صوتها يكسر رتابة التقليد وعينها ترى وضوحاً في الألوان، إنّها تميّزٌ في صيرورة وحب وترحال, امرأة تتضح معالمها السورية بقوة، وهي من ائتمنت الحرف وساقته من عين الحقيقة، وأي حقيقة عندما تكون ابنة جبلٍ أشمّ زاخر بالبطولات، هذا الجبل الذي ما زالت صخوره تعانق العقول في إدراك ووعي وطني وقومي لا ينضب والأديبة السورية ماجدولين الجرماني هي خريجة معهد التعليم العالي للهندسة دمشق، مدربة تنمية بشرية، ماستر طاقة علاج بالريكي والطاقة الحيوية ولديها مركزها الخاص، تكتب في العديد من الجرائد والمواقع مثل جريدة البناء اللبنانية، صدى مصر، كواليس الجزائرية، الرؤية العمانية، وكثير من المواقع أصدرت ديوان (ويزهر من أكمامه الدراق) وهو صادر عن دار بعل في دمشق، يقع في 105 صفحات، يضم العديد من العناوين لموضوعات تصافح الروح وتعلي الصوت تارة وتستكين عند هدأة محببة تارةً أخرى، كما أنّ لها رواية تحت الطباعة (مورفين أحمر) آخر حديث سيرى النور قريباً، مع ديوانها (ويزهر من أكمامه الدراق) التقيناها هنا في اللاذقية وعلى شاطئها كان لنا بوحٌ آخر، نبحر ونغوص مع الكلمة والمعنى وما يجول ويختبئ بينهما.
• في البدء كانت الكلمة في طوافها مع العقل البشري, ماذا صيّرتْ؟
•• ابتدأت البشرية بالكلمة وأصبحت مفاتيح السحر البشري للتخاطب بالمعنى لتستطيع نقل الإيمان، الإيمان بالإنسان وقلبه المضيء الذي يستعد لمحاربة ظلام العقول والقلوب، نفتح العقول العاصية بكلمة ونحارب الجهل بكلمة من ابتداء الإنجيل والمسيح الذي هو الكلمة (كلمة الله الفاصلة) على تخوم عقلنا البشري الضحل إلا فيما رحم ربي.
• امتطت هذه الكلمة مسارات ومدارج عدة، أيهما الألبق برأيك؟
•• لا بد من كلمة الحق والخير والجمال والسلام, كي نحارب الظلام والجهل والتعنت، كلمة النور هي من تضيء الطريق كي نرى جيداً ونأخذ هذه البشرية المتعبة لخط الأمان في الوعي المتكامل.
• في ديوانك الشعري (ويزهر من أكمامه الدراق)، أزهرت الكلمات إلا الفرح! لماذا؟
•• لأننا ولدنا في بحور الأنا القاتلة، وعشنا دون زاد يرفع بمستوانا الإنساني، الفرح يأتي من الشعور بالأمان، من خميلة الذات المزدهرة بالعدل، فكيف نمتلئ فرحاً في هذا العالم المتهالك، المكتظ بأحزاننا بحيث نحيا بقوانين لا تشبه إنسانيتنا تفرقة بين الرجل والمرأة قتل روح الوعي، مسيرة قطيع ينجز الثغاء إلا فيما رحم ربي، فقر وحرب قتلت أحلامنا الباقية بحضارة مصطنعة لا نعلم منها سوى شاشات مضيئة موجهة لخراب النفوس.
• في قصيدة (ابنة الجبل) تقولين: (جذوري من جبل أشم لا يعرف انحناء، من مفهوم الانتماء والوفاء للوطن)، كيف تصاغ هذه العلاقة التبادلية، وتؤسس لتكوين إنساني على الصعيد الشخصي والعام؟
•• نحن من جيل التصق بالأرض هويتنا السورية تمتزج مع دورتنا الدموية، تنفسنا نبض القلب كله فقط يتم بتنفسنا هواء بلادنا الغالي، هنا مهما اشتدت علينا المصائب نشعر أننا من هنا ولا شيء غير هنا يحيي أرواحنا، الجبل صخوره قاسية تتحدى الثلج والريح والصيف لكنه يبقى شامخاً يتحدى علو السماء ونسيمه عليل يجعل القلب في روضه الطفولي بكل نقاء، لا يمكن الفصل بيننا وبين منبتنا فنحن نمتزج بهذه الطبيعة التي نولد بها، نشعر بكبرياء بجبروت بقوة مثل الجبل تماماً، وبنفس الوقت كل هذه الصلابة فيها دفء حماية لطف إنسانية تنبع من فطرة هذه الجبال.
• في قصيدة (تعال أحبك أكثر) تقولين في مطلعها: (الحب صلاة، ليتنا لا نجحدها)، مع أننا نصلّي لماذا لم نعرف الحب إلى الآن؟
•• الحب صلاة في محراب الجمال هو يتدفق بالمشاعر الإنسانية الراقية، لأننا لا يكتمل إلا بالمعرفة الواعية والنور الذي يملئ القلب حينها فقط نستطيع تأدية صلاة حب.
• في قصيدة (عذراً سيدي) تقولين: (سوار وطن، دمعة ثكلى، نعش شهيدة، صوت حقّ لا يقاوم)! هذا البوح المتمرد يضع المرأة في نديّة لا زلنا نصارعها وتصارعنا، لماذا ما زال صوت المرأة في شرقنا ضعيفاً؟
•• لأن المرأة في شرقنا حملت موروثاً ثقافياً فكرياً جمعياً يجعل من المرأة أداة طيعة لرغبة الرجل ولم تحاول بالمطلق الخروج من دائرة الثقافة الذكورية التي ساهمت المرأة بنشرها مع الرجل.
• وجعٌ سوري مؤلم في قصيدة (إلى ولدي) تقولين في مقطع منها: (قصة وطن خانته كل الحكايات، لا تبك يا ولدي) هل تستطيع هذه الأجيال الشابة، الثبات ومنع نفسها من البكاء؟
•• الأم السورية عظيمة في عقلها وعاطفتها وعملها، الأم السورية جبارة على كل الظروف فهي عليها إعطاء القوة الذاتية لأولادها كي تصمد، هذه الأجيال قوية رغم كل ما حصل في سورية إلا أنها ما زالت مستمرة تقاوم القحط والحرب، لكنها لا بد تبكي لأنها تستحق الأفضل فنحن شعوب الشمس وسنعود من حريق كما طائر الفينيق الأسطورة لذا أقول لولدي أولاد سورية كلهم أولادي لا تبك لأنك أنت الوجود.
• عندما تقولين في قصيدة (عقرب): وإنني محبرة الوقت، على ساعة زمنه الغائم، لعبة الزمن وتواقيتها، متى سيُؤذن لنا أن ندير نحن عقاربه؟
•• لا أعلم، كل ما أعرفه بأن نحتاج إلى إعادة معادلة حقيقية في مجتمعاتنا، كي نستكين نتمازج ووقتنا، كي نجعل عقرب الوقت في صالحنا، الحب هو الوحيد القادر على إدارة عقرب الوقت بالحياة.
• قصيدة (حبر…!!): (وأنا الغارقة حتى الأذنين في أوراق ولادتي، التي لا تشبهني) متى يستطيع مداد الحبر أن يخطّ أشباهنا؟ ومتى سنخط شهادة ميلاد توثق أحلامنا؟
•• ربما عندما ننتهي من الحرب الجوع، الشدة، القهر الجاثم على صدورنا حد الألم، حين نعود لفطرتنا الحقيقية إنسان، إنسان وكفى بالحب سبيلا ً.
• في المقطع الذي يحوي عنوان الديوان تقولين: (وإلى أن يرتدي العتم عباءة الفجر، ويزهر من أكمامه الدراق، امنحني وقتاً من غيم ماطر)، متى سيزهر الدراق من أكمام الفجر؟
•• سيزهر حين يزهر الحبّ في القلوب، حين ندرك أننا واحد، وأن أرواحنا ما هي إلا شعاعات نور تلتقي وتتمازج لتسطع إنسانيتنا، حين تدرك الأرواح بأنها مكملة لبعضها وليست حالة كونية عبثية فهي من الرب وإلى الرب تعود بكل المحبة.
• في قصيدة (معطف غوغل) تقولين في ختامها: (عندها فقط تذكر شيئاً، لا يمكنك نكرانه، بأن الغد سيأتي بالأجمل)، هل ترين بأن الغد أجمل، وسيحمل لنا إشراق عشتار وبابل وهوميروس المارقين على تاريخنا وعلى سطور قصيدتك؟
•• أؤمن بأن العالم متغير ومهما بلغت شدة الظروف فهي ستمضي، وسنبني أمجادنا من جديد وسنعود للحياة بشكل أقوى وأسطع من كل الأساطير, فقط الصبر، ولا بد من الأمل كي نستمر، لأن الأمل فكرة تبدأ في نفوسنا ويجسدها الكون واقعاً ملموساً لذا قلت الغد سيأتي بالأجمل نوع من برمجة اللاوعي لدينا كي نحتفظ بالأجمل ونصدره أمراً للكون ليقوم بتنفيذه.
• عندما تقولين في مقطع من قصيدة (أحلام مؤجلة): (وجبهات التاريخ لم نعد نعول عليها، كيف أخبر الجميع بأن كل أحلامنا باتت مؤجلة)، لماذا لمْ نستطع أن نسابق أحلامنا إلى الغد؟
•• لأننا حوصرنا في زوايا إنسانيتنا من كل شيء، لأننا حوربنا من داخل نفوسنا فوقعنا بمتاهة التوقعات وبتنا نلف حول دوائر لا بداية ولا نهاية.
• في قصيدة (على انتظار درويش) تقولين: (ذات مساء، سرت مع الريح على وهج حروف منزلة) وفي قصيدة (عناب) في مقاطع عديدة تناجي محمود درويش ونزار قباني وجبران وعدداً من الأسماء التي خاضت حربها مع الفكر، هل ما زالت الحروف تغزل الريح التي نتمناها أم أن الريح قد قذفتنا إلى المجهول؟
•• قذفتنا الريح في صراع مع الزمن ورغم كل عتمة المجهول تبقى منارة الحرف تضيء الطريق طال الزمن أم قصر، لا يمكننا إطفاء النجوم في السماء العالية بل نستنير بها.
• وجعنا السوري مخطوط في قصيدة (يا روح الله)، وبعد هذه السنين المؤلمة، متى سيحين موعد حصاد نستطيع معه أن نردد معاً ما قلتيه في نهاية القصيدة: (آن موسم حصادنا، اصدح معي لنستقيم، حيّ على الفلاح، حيّ على الفلاح)؟
•• هي فترة انقلابية كونية علينا تجاوزها بسلام ونور، وواثقة من الوصول لبر الأمان حين تصبح قلوبنا معاً ونكون يداً واحدة لخير هذا الوطن الجميل والذي هو مطمع لكل الطامحين لخرابه.
• ديوان (ويزهر من أكمامه الدراق)، هو ديوان شفاف, لدرجة أننا وكأننا تقف لماذا لم يحمل فرحاً وأحلاماً مزهرة ولا حباً يسانده حبّ، أين كلّ هؤلاء ولماذا غابوا في قلم وسطور وقلب ماجدولين الجرماني، لنكون معك بين ضباب الحزن؟
•• مجدولين الجرماني ابنة هذا المجتمع الذي أصدر قوانين ظالمة بحق المرأة وحياتها واختياراتها، بحق ماضيها ومستقبلها، وهي ابنة كونية تمتلك الوعي تشعر بغصة كلما رأت ظلماً أو قتلاً أو تهجيراً، أما الحب في بلدي دائماً ما يخذلنا لأن قلوبنا رهيفة لذا اخترت الحب الكوني وحب الكتاب والعمل على حب رجل يخذلني على أول إشارة مرور منكسرة الملامح أو يجعل مني صورة عابرة أمام أول امرأة تقطع طريقه بصدفة، فيكفينا وجع البلاد والأولاد، حين يستقيم العدل ونعود لنغني للحب، يا سيدتي نحن النساء العارفات القويات الصامدات بوجه زلازل الأرض نقدم أوجاعنا كطبق حلوى نسكت به جوع أولادنا على الطريق الطويل ونستخدم ملح أرواحنا كي نطهر الكون من رجسه ونرفع رأسنا عالياً في شموخ جبالنا، ونبتسم كي يستمر الكثير بمزاولة الطريق.
سلمى حلوم