العدد: 9554
الخميس : 19 آذار 2020
هي الرّسالة التي أودعها الخالق في خلقه وحمّلهم إيّاها، هي الرّسالة التي تطلب منّا أنْ نكون دُعاة الحقّ والخير والسّلام والطّمأنينة حيثُ السّكينة التي ننشدها، هي الرّسالة التي تتطلّب منّا أنْ نكون رُسلاً محمّلين برسائلَ لا رسالة، وعلى المرء العاقل المُدرِك أهميّة أنْ يَحيا ويستمرّ ما دامت الأيّام تتداول والأفراد تتبدّل وتتغيّر وكثيراً منها يتطوّر ، على هذا المرء العاقل أنْ يُترجم هذه الرّسالة وأنْ يكون الحامل الأمين والنّاصح المرشد النّبيل لهذه الرّسالة بما تحمل من قيمة وغاية ولأنّ رسالة الخالق إلى خلقه هي الرّسالة الأسمى ومضمونها الأرقى وغايتها هي الغاية المُثلى.
نعم على المرء أنْ يكون للمرء مرشداً وأنْ يكون منارة هدى تهدي نحو الخلاص والسّعادة وتنير الدّرب التي تجعل الإنسان إنساناً إلهيّاً يجد نفسه في الكلّ ويختصر الكلّ في ذاته هذا الإنسان الذي يجد نفسه ليس فيما مضى فقط بل يجدها فيما هو آتٍ لأنّ القادم هو ما زرعه الآخر فينا وما سقيناه نحن ورعيناه ، فما أشبه الإنسان بالزّارع وما أشبهه بالزّرع الذي يُعتنى به فيُسقى الماء الطَّهور النَّمير الذي يمدّه بأسباب الفرح وتُقلَّم أظفار الكره التي تأبى إلا أنْ تكون خارجه لأنّ قلبه أرض طَهور لا تقبل الأشواك فتنبت خارجاً وتُرمى خارجاً، ولكنْ مَنْ هو ذاك الذي يَسقي ويَرعى ويَعتني؟
إنّه كلّ إنسان حمل رسالة السّلام والمحبّة، كلّ إنسان آمن بأنّه أخٌ للإنسان به يكتمل وبه يَسعُد كما به يَتعس ويَشقى، ولابدّ من التّذكير أنّ الأمر لا يقتصر على ذاك الذي حمل شهادة ورقيّة فلا نعجب إنْ رأينا أو سمعنا أنّ بعض الذين حملوا شهادات ما كانوا لها الأوفياء ولا كانوا مع ذواتهم متصالحين ولا أبرياء أمام مرآتهم التي عرّتهم أمام الحقيقة التي يعتبرونها مُرّة وما كانت في يوم من الأيّام كما يقولون بل هي الحقيقة لا غير ولكنْ المشكلة أنّهم لايتقبّلونها.
العلم أمانة العالِم أمانة جعلها الخالق أمانة في ضمير ووجدان العالِم وطلب من عبده العالِم أن يؤدّي الأمانة وينقل العلم إلى الغير لينفعه في حياته التي تتشعّب وتتفرّع بين النّفس والآخر والمجتمع ، فكم هو جميل أنْ نردّد قول الشّاعر (قم للمعلِّم وفّه التبجيلا كاد المعلِّم أنْ يكون رسولا) لأنّه القول الحقّ في تبجيل المعلّم الذي علّمنا ما نحن بأمسّ الحاجة إليه كي نحيا وهذا الأمر لا يقتصر أو ينحصر فقط بالمعلّم في صروح العلم ومدارسه فقط بل ينطلق المفهوم والمصطلح ليشمل كلّ مَن كان معلّماً حقيقيّاً أميناً وفيّاً لرسالة الخالق مؤمناً بها وملتزماً بمضمونها وفحواها.
ويبقى العلم الطّريق والسّبيل الوحيد إلى المعرفة التي تُفضي إلى الخلاص والصّلاح وبها يمكن أنْ نقوم بدور الإصلاح وعلى عاتق العلماء تقع هذه المسؤوليّة، وكم هو جميل أنْ يبني الإنسان أخاه الإنسان وكم هو جميل أنْ يعتني به ويرعاه ويَعمُر قلبه بالمحبّة والقيم والفضائل والأخلاق التي بها يرتقي ويعلو مقامه بما زرع وحصد حيثُ الحياة لا تشبه في تفاصيلها وتنوّعها سوى البساتين التي يُسرّ النّاظر لمرآها وينشقّ الصّدر لشذاها وتطرب الأذن للعصافير إنْ صدحَتْ.
ولا يمكن أنْ نحصر المعلّم بالمهنة أو الوظيفة التي ترتبط بمكان أو زمان فالمعلّم إنسان مفطور على حبّ الخير والسّلام ومفطور على أنْ يكون أباً مسؤولاً عن تنشئة أبنائه كما هو مسؤول عن أخيه الإنسان بين ما كان وما يمكن أن يكون ، ومن هنا فإنّي أقول: جميلٌ أنْ تكون معلّماً.
نعيم علي ميّا