«للعمر عمرٌ» للشاعرة وضحى يونس وعمرٌ في رحابه

العدد : 9550
الأحد 15 آذار 2020

 

في العمر عمر، أو ربما أعمار تهادن الزمن في لعبته، حين ينتشل الشمس من غفوتها كل نهار، يحيل أشعتها ويرسمها أوتاد على عقارب الوقت، معه تنحفر أخاديد سمر تزيد سمرة الأيام، فتوشم بعض الملامح وربما جلها، ويبقى عند كل إغفاءة ملامح عمر. 

(للعمر عمر) ديوان شعري مداد حبره قد خطها من هذه الملامح التي تديرنا على مداراتها المختلفة، فتحيل كل سطر إلى أغنية يستعير، إيقاعها بصماتنا الوفية التي ما زالت تطرق أبواب هذا العمر، هذا الديوان يحمل كل الحكايات على قصائد شعرية قاربت الـ ٩٠ قصيدة، هو إصدار من القطع المتوسط صادر عن اتحاد الكتاب العرب، وعند صفحاته المائة وخمس وثمانين باباً عليه عنوان وعمر وبوح، هذا الديوان هو الثاني للدكتورة وضحى بعد ديوانها الأول (مسح جغرافي لرجل تاريخي) يضاف إليهما كتابان في النقد الأول حول الشعر القديم والثاني حول النثر وأيضاً مجموعات من الدراسات النقدية والأدبية في مجلات ودوريات (المعرفة، الموقف الأدبي، وجريدة البعث) في سورية ومجلات وجرائد عربية أخرى، كما أنها شاركت في مؤتمرات أدبية ونشاطات ثقافية متعددة.
ولأن رحلة العمر لا تهدأ، سرقنا من هذا العمر استكانة وهدأة أوقفنا بعض الزمن في هذا العمر كي نسأل…

* بين الفعل العفوي للشعر وفعله الواعي الحر، في بوحهما، هذان المفهومان كيف يتموضعان وأيهما يسبق الآخر على بحور القصيدة؟
** الفعل العفوي للشعر يسبق فعله الواعي ثم يتساكنان ويتباطنان، فالعلاقة بين الفعلين العفوي والواعي هي علاقة تحويل الشعور إلى تعبير وعلاقة احتضان اللغة للإحساس وصهره في بوتقة اصطياد اللفظ للمعنى وترحيب المعنى باحتلال اللفظ له.
* في ديوانك (للعمر…عمرٌ) العديد من القصائد عن الكتابة والكلمة وفعلها كـ (وحي قصيدة، شيطان الحبر، وضاعت قصيدتي،أنا محبرة، ثأر الكلمات،…. إلخ)، كيف يخترق الشعر بمفرداته وأوزانه شخصية ناطقه وكاتبه؟ ولماذا يختار بعض منا دون بعض؟
** بالنسبة لي اخترقني الشعر بألفاظه ومعانيه في سن مبكرة فمنذ طفولتي أسرتني الكلمات الرقيقة والمعاني العميقة والصور المحلقة والإيقاع المتفرد ولم يكن الشعر بالنسبة لي فناً مستقلاً منعزلاً عن بقية الفنون، فقد كنت أطارده في الرواية والقصة والفيلم السينمائي واللوحة، فقد كان حالة رومانسية، وقد يكون الشعر اختارني لكن في اللاوعي، أما أنا فقد اخترته بملء إرادتي وحريتي ووعيي، أرتكب الشعر عن سابق تصور وتصميم.

* في زمن الصورة التي صارت تُحسب بالثانية، ما هو موقع القصيدة فيه؟ وأين يتموضع؟
** موقع القصيدة في زمن الصورة السريعة موقع بعيد وطريق القارئ السالك إليها موحش لكنه مؤمن بها كما يؤمن العاشق بمعشوقه.
* من وحي قصيدتك(تبرد الفكرة)، للكلمة قدسية وقداسة، هل ما زال العقل يعي ويحترم قيمة لكلمة؟
** في البدء كانت الكلمة، الكلام مقدس والفكر دين، ولكن العقل البشري وعلى مستوى العالم يعيش أزمة أخلاقية إذ تنتهك الكلمة لأغراض سياسية واقتصادية وربما لحماية إرث اجتماعي، وهذا يرتب على النخب المتعلمة والمثقفة والواعية مسؤولية جسيمة للكشف عن الحقائق في زمن التضليل، ومازال هناك حماة للكلمة الصادقة والفكرة السديدة هؤلاء هم حراس الجوهر الإنساني.
* في قصيدة (طبول) تقولين في نهايتها: يحدثُ أحياناً، أن يخطئ الليلطريقه إلى النهار… ، هل يخطئ الليل أحياناً أم أنّ جلّ طريقه خاطئ؟
** الليل هو الوجه الآخر للنهار، لا أؤمن بانفصالهما فالله يولج أحدهما في الآخر، الليل والنهار ضدان مقترنان وعليهما كما على سائر الأضداد الوجودية يتأسس وجودنا الإنساني، الليل والنهار بريئان، نحن الذين نذنب ونتوب.
* (نمو)، هذه القصيدة الجميلة تقولين فيها: وفي أرجوحتي، طفلٌ بلا وطن، يصبو إلى شمس الحنان..، أيهما يسبق الآخر في الآخر! نحن أم الوطن؟
** نحن الوطن و الوطن نحن، هذا ما أدريه و أؤمن به، أما أيهما يسبق الآخر في الآخر فهذا ما أجهله! ربما نحن والوطن جناحا الطائر الواحد، نحن طرفان في معادلة واحدة، يظل أحدهما مجهولاً حتى يعثر عليه الآخر فيحيا به وفيه.
* تقولين في قصيدة مطر: وبالقرب من سرير الموت، ترفُ أهداب الحياة، كيف يمكن للموت أن يزفّ في أهدابه الحياة؟
** العلاقة بين الأرض والمطر علاقة عشق كوني والعشق هو الطوفان الذي يحرف في طريقه المعارف الساكنة والقوالب الجامدة، العشق هو المتحول الذي يعرف الثابت على ذاته إذ يوقظه من سبات الجهل والخنوع يقوده إلى حيوية التمرد والمعرفة.
* (صنع في الشرق) وفي قصائد كثيرة مثل (محاولة اغتيال- رؤى…)، تتحدثين فيها عن الحب في الشرق، عبر هذا التاريخ المعبأ بالدم، هل حقاً نعرف نحن هنا معنى الحب؟
** في الشرق لا نعرف من نحن، كائنات هلامية وحدهم الصوفيون الإشراقيون والحلوليون والاتحاديون هم من حققوا درجة متقدمة من معرفة ذواتهم والكون التصوف الفلسفي الإبداعي هو الذي اكتشف الدورة العشقية لهذا الكون الذي نعيش فيه، الصوفيون هم الذين أهدرت دماؤهم فقط لأنهم عرفوا التصوف الحقيقي حركة وفكراً وعملاً وإبداعاً واختراعاً وحباً للوجود والموجودات.
* في قصيدة (ظنون)، في ختامها تقولين: تبين أن الظنون ضحية ظنون، هل حقاً تخلقنا الظنون أم نخلقها؟
** في الوقت الذي تخلقنا فيه الظنون نحن نخلقها أيضاً، إنه فعل متبادل في لحظة واحدة، وهو فعل ضروري للإبداع وإليه ينتمي التخيل والحلم والحدس والرؤيا والحب، فإذا ظننا أن الحبّ موجود وهو في الواقع غير موجود نكون قد خلقناه بالظن وهذا خير، فبعض الظن إثم ولكن بعضه الآخر ثواب.
* (امرأة) وهذه القصيدة الوجع، تقولين في مطلعها: الألف الأولى صليبك، كم ضاقت الميم…على ذهبك وأحزانك، من حضن الراء، وقع أعلى كونك إلى آخره، ألفك الثانية متوجة بهمزة…كـ اقرأ، لتهنك التاء المربوطة، اتسع حبسك…ونقطتان فوقها تحرسك، وهذا الشرق الذي لم تشرق شمسه على المرأة فيه، كيف يمكن لها أن تتدثر بشمس الحقيقة؟
** صدقت …لم تشرق شمس الشرق على المرأة بل أغرق الشرق المرأة في الظلم والظلام والأنانية والوأد والحبس والحجاب والجهل والتفاهة والعبودية والسطحية و.. وحدث ذلك في الماضي البعيد والقريب، ويحدث اليوم، هناك استثناءات نادرة، ولكن الطموح هو أن تشمل النساء والرجال على حد سواء حالة عامة من التقدم والتطور والإنسانية.
* وفي بوح آخر للرجل الشرقي تقولين له: علاقتك باللغة، كعلاقتك بالأنثى تماماً، تفهم منها ما تريده أنت، وتريد لها أن تعني ما تفهمه أنت، متى يصنع العقل الذكوري لغة تناسب خطاب الحياة الطبيعي الإنسان الذي يليق بآدميتنا؟
** خطاب العقل الذكوري هو خطاب غرائزي لذلك هو خطاب أدنى بدرجات من الخطاب الإنساني فالخطاب الإنساني هو خطاب الندية وأداء الحقوق والواجبات، خطاب يرتقي فوق الأنانية والفوقية والدونية، خطاب المحبة غير المقيدة بأي شرط.
* للبحر مداه واتساعه حين تحتضنينه في قصيدة (وقالت الشمس) في نهايتها تقولين: يا بحرُ أنا وأنت كم بكينا، وأضعنا مساكب الدموع، من يعير الآخر الدموع؟ نحن أم البحر؟
** الدموع قسمة مشتركة بيننا و بين البحر، أؤمن بوحدة الوجود، نحن جزء لا يتجزأ من الطبيعة، سواء في الحياة أو في الموت، نحن نموت بشكل ما لنحيا بشكل آخر، نحن مادة لا تفنى بل تتحول، رغم ذلك فالبشر لكثرة آلامهم يمدون البحر بدموع مآسيهم الخالدة.
* في (ضجر القمر) تخاطبينه قائلة في النهاية: الشمس أكثر ضجراً أيها القمر…، لماذا تضجر الشمس منا حين نوقظها؟
** لا أدري على وجه الحقيقة لماذا تضجر الشمس حين نوقظها، سأسمح لنفسي بالتكهن، ربما تضجر الشمس لأنها تريد أن تنطفئ ولو لبرهة في عين القمر فترتاح من حريقها وتخلد في ذاكرة الحب، ربما تضجر فتجرب أنانيتها في حجب الضوء… وربما و ربما …
* في قصيدة (ترف الأسئلة)، كل الأسئلة التي تجوب الروح، هل ما زال هناك سؤال يعانق السؤال لوجودنا؟
** الأسئلة في عرفي لا نهائية، الأجوبة نهايات والأسئلة بدايات الأجوبة تقتلنا والأسئلة تحيينا.
* في قصيدة (وطن…مستحيل) ثمة بوحٌ وعتب… متى يمكن أن يستكين هذا العتب في عشقه ويهدأ؟
** سبق السيف العذل، لا أستطيع أن أعد شخصاً أو جهة ما باستكانة عتبي وهدوء عشقي سكوت بوحي، أنا كائن يتغذى على المستحيل، نبع من حب و حبر، أنا حالة صوفية لا تخلو من الجنون، إذا أنعشتني كذبة لا أتخلى عنها.
* في قصيدة (وطأة الوجود) تقولين: لا بدّ من مخاطب، وإن شقي الخطاب ببراءة المعنى، وظلم اللفظ، وحروبنا هي في شقاء خطاباتنا، متى سيؤذن بالتعافي لهذا الخطاب؟
** يعاني الخطاب في ثقافتنا العربية مأزقاً كبيراً، فهو مليء بالكذب والمخاتلة والمواربة المجاملة والنفاق، خطاب مصلحي آني، خطاب أجوف، قاد في نهاية المطاف إلى دق الطبول وقرع الطناجر! الخطاب المعافى يحتاج إلى ناطقين يتمتعون بصحة الجسد والروح والعقل والنفس والضمير والعرب لا ينتمون إلى هذا النوع من الكائنات السليمة.
* في (ثأر الكلمات) تقولين: أيتها الكلمات، لي ثأر قديم معك، وتلك الحروب الدائمة بين العقل والروح في كلمات، متى سيحين لها أن تهدأ قليلاً؟
** العقل لا يستسلم ولا يسلم الراية بسهولة وحروبه لا تهدأ حتى يعقل، موضوعه على عكس القلب الذي يرضى ويقنع بالقليل.
* في القصيدة المميزة (أعراس) تقولين في مطلعها: رحم أمي مجرد صدفة، وأنت أمي الحقيقة… أيتها الحرية، كيف لنا أن ننعتق من ذواتنا ومن الآخرين بلا سلاسل أو زنازين؟
** الانعتاق وعي وشجاعة قد نمتلك الوعي ونفتقد الشجاعة خاصة أن الشجاعة تحتاج إلى فرص، فيتأخر انعتاقنا وقد لا يأتي.
* في قصيدة (قلبي ضائع) وهذه القصيدة التي تلم وجع الأوطان، وحيث مرت على سورية هذه القصيدة ونسجت قصائد وقصائد من الوجع، كيف توصف الحرب المفردات، وعلى أي مركب تحاول أن تهاجر؟
** سورية موجوعة من أقصاها إلى أقصاها لأنها كالجسد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، أوطاننا موجوعة، أما الهجرة فقدر، والمركب فرصة، والهوى سوري يشدنا إلى بلادنا بكل قوة الحب والأمل.
* في الديوان (للعمرٍ…عمرٌ) لم أر الفرح في العبارات أو حتى في المعاني مختبئ، لماذا لم تكتب د. وضحى يونس الفرح في هذا العمر؟
** أين هو الفرح لأكتبه! لم أكتب الفرح لأني لا أستطيع الكذب، فرحي صادق، كينونة فرحي في صدقه، وكم أتمناه فرحي الصادق، لا أخفيك سراً سأظل أحلم بالفرح كدليل على أني ما زلت على قيد الإحساس والأمل.

سلمى حلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار