العدد : 9549
الخميس 12 آذار 2020
ما بين رواية التكسب والرواية الهادفة بون شاسع وإذ تلقى كلاهما رواجاً ملحوظاً، بعضها يلامس مشاعرنا وأحاسيسنا، فنسعى جاهدين لاقتنائها والمحافظة عليها يغلب عليها الطابع الرومانسي الميلودرامي السريع وبعضها جاد هادف، وروايات أخرى يسعى كثيرون لاقتنائها بغض النظر عن قلة الأهداف والقيم التي تنضوي تحتها. كثير من النقاط توقفنا عندها لنتحدث في لقاءاتنا هذه عن روايات المتكسبين وظواهر انتشارها والروايات الجادة وظواهر اندثارها.
*الصحفية بشرى رجب: القراءة كموهبة تحتاج إلى سنوات طويلة حتى تُصقَل بالشكل الذي يليق بالقارئ وللحدّ الذي يتمنى الوصول إليه من الخبرة في آلية القراءة والقدرة على النقد والتقييم، وهنا نستطيع أن نقول: إنه يكمن جوهر الاختلاف من شخص إلى آخر من حيث الإقبال على شراء الكتب التي يتم الحديث عنها إما في الوسائل الإعلامية أو عن طريق (السوشال ميديا) بأنها قد سجلت على قائمة الكتب (الأكثر مبيعاً) في فترة زمنية معينة، درجة استمتاعنا بالمفردات، التراكيب، الأفكار، طريقة سرد الأحداث، ذكاء انتقاء الشخصيات، الصياغة وفحوى الموضوع المختار هي سر الرواية الجيدة والتي تستحق أن تُعطى تقييماً بدرجة (جيد)، إنني فعلياً كشخص محبّ وقارئة جيدة أصل إلى مرحلةٍ من التعلّق بالشخصيات حتى أدعوهم (أصدقائي) وأسجّل أسماءهم على لائحة خاصة كي لا أنساهم، فقد لامسوا جزءاً داخلياً مني لا يمكن الوصول إليه من قبل الأشخاص العاديين أحياناً، الرواية الجيدة أحداثها لا تُنسى بمرور الوقت بل تكون صالحةً لكل زمانٍ ومكان وتُقرأ أكثر من مرة بذات الشغف وهنا تبزغ موهبة الكاتب العظيمة، هنالك بعض الأخطاء الشائعة التي نقوم بها كأشخاص عند اختيار رواية ذاع صيتها إما لأنها للكاتب الفلاني وهو لديه روايات كان قد حطّم بها أرقام مبيعات قياسية ولكن للأسف لم تكن بجودة ما كتبه سابقاً فنشعر بالخذلان، أو أن نتأثر بالشريحة الأكبر من الذين أعجبوا بالرواية فنجد بأنها هزيلةً نوعاً ما ولا تنتمي إلى المستوى الفكري الذي وصلنا إليه من ممارسة القراءة، هنالك بعض الروايات التي قمت بشرائها لأنها مشهورة ولم أندم على فعلي هذا أبدأ كقواعد العشق الأربعون فوقعت في حب شمس الدين التبريزي وعشقه اللامنتهي للذات الإلهية الخالصة، روايات الكاتب (غيوم ميسو) (وبعد) و(لأنني أحبك) بأسلوبه اللطيف السردي البسيط، كارلوس زافون ورباعيته مقبرة الكتب المنسية (ظل الريح) أولها كانت تستحق القراءة أسلوب قصصي رهيب أعادني سنوات طويلة إلى الطفولة فببعض المفاصل كنت قد تذكرت أول أصدقائي ألغاز (المغامرون الخمسة) استعدت التشويق ذاته،
في (عدّاء الطائرة الورقية) و(ألف شمس ساطعة) للكاتب خالد حسيني، كنت على تماسٍ مباشرٍ مع الحرب الأفغانية فلفحتني موجة حزنٍ عميقٍ عبر أحداث الرواية ولكن فجر الأمل والنجاة يكتب في الصفحات الأخيرة، روايات (نيكوس كازانتزاكيس- زوربا) و(تقرير إلى غريكو) الأفضل على الإطلاق من حيث الاقتباسات، يوسف زيدان في (عزازيل)، حنا مينه (المصابيح الزرق) وحيدر حيدر (وليمة لأعشاب البحر) الأقرب إلى قلبي دوماً والقائمة حقاً تطول.
* الصحفي مهران سلوم: ظاهرة الكتب الأكثر مبيعاً يبدو من البديهي أن نقول في عالم التسويق عموماً: إنه ليس دائماً ما يعبّر عن حجم الإقبال على شراء منتج ما عن قيمته الحقيقية، وعندما نتكلم في مجال الثقافة والناتج الأدبي والثقافي والإنسان تصبح هذه الجدلية أكثر وضوحاً، فكم من أديبٍ لم تظهر كتاباته إلى الشمس إلا بعد أن نامت سنوات في عتمة الأدراج، وكم من فنان مات فقيراً بائساً واستهزأ الناس بلوحاته وبيعت بعدها بملايين الدولارات، ومن هنا نلتفت إلى الواقع الحالي الذي يعيشه الإنتاج الأدبي بشكلٍ عام حيث في كثير من الأحيان طغت الاعتبارات التسويقية على القيمة الحقيقية للمضمون الأدبي سلباً أو إيجاباً وهذه كما ذكرنا حالة عامة تمتدّ لجميع جوانب الإنتاج الفكري وظاهرة نجوم التذاكر أكبر مثالٍ عليها، من أبرز تجليات هذه الظاهرة في عالم الأدب تصنيف الناتج الأدبي ضمن خانات الأكثر مبيعاً وبمقتضاها الأقل مبيعاً وهذه الحالة ناتجة عن أسبابٍ ذاتية وموضوعية يعيشها الإنتاج الأدبي والمؤلفون والأدباء فليس خاف على أحد تأثير دور النشر وما يتعلق بها من تكاليف وإمكانيات مادية على قدرة المؤلف على إيصال منتوجه الأدبي كذلك ليس خاف على أحد أثر الترويج المباشر وغير المباشر الذي يحصل عليه الكاتب أو عمله في إيصاله إلى أسماع المتلقي وإلى رفوف المكتبات وفي عصر الحداثة والتواصل الاجتماعي الذي حكم بنوع جديد من الثقافة يعتقد معظم الناس امتلاكها لمجرد الوصول إليها فقد قدمت التكنولوجيا الحديثة للمتلقي فرصاً كبيرةً من المعلومات والأفكار والاقتباسات وخلاصات النتائج الفكري جعلت من المجهود الخاص الذي كان يبذله الباحث عن الثقافة للوصول إلى نفائس الكتب والأفكار سلوكاً غريباً في ظل وجود خيار الثقافة سهلة المتناول والتي بحد ذاتها سلاح ذو حدين حيث يمكن لمن يتحكم بهذه الوسائل والتكنولوجيا بالذائقة الثقافية والخيارات الفكرية المطروحة أمام المتلقي. لذلك فإن تصنيف الناتج الفكري بناءً على الأكثر مبيعاً أو تداولاً أو بحثاً يحوي الكثير من الخروج عن الجوهر الحقيقي للناتج الفكري ما يحوله شيئاً فشيئاً إلى سلعة في عالمٍ يتجه أكثر فأكثر إلى المادية ،ولكنه واقع معاش لابدّ على الأديب الحقيقي من مواجهته وتحويله إلى فرصة من خلال محاولة مواكبة متطلبات العصر التكنولوجية والتسويقية وختاماً فإنّ الإبداع الحقيقي والفكرة الحقيقية هي جوهرة تحتاج إلى غوّاص شجاع لا يلتفت إلى
الأحجار المرمية على الشاطئ بل يغوص
بحثاً عنه.
* مرح عروس: الكتب الرائجة في أيامنا هذه وعلى اختلاف أنواعها صناعةٌ ثقافيةٌ ومصطلح تسويقي بحت يستقطب شريحة كبرى من القرّاء ليحتل عقولهم احتلالاً ناعماً عبر طرح مواضيع تحرّك مشاعر الإنسان أو تحاكي ما يمس واقعه وظواهره الاجتماعية أو وعيه الجمعي فتزيد بذلك أسهم هذا الكتاب أو ذاك ولا ضير في ذلك إن غلب الجوهر والمضمون، إلا أن معظم ما ينتشر وعلى رأسه الرواية لا يحتمل قدراً من نقاش في مضمونه لكنه يبهر محبيه الظانين أن دخان الرواج الكثيف وراءه نار القيمة العميقة وهذا ما أدى إلى تفشّي (الثقافة) الهابطة وأتاح للكتابات الرديئة فرض نفسها إذ إن (أندر من الكتاب الجيد قارئ جيد) لكن ذلك لا ينفي انتشار قلةٍ من كتب ثرّة الفحوى سهلة النفاذ إلى العقول على اختلاف مستوياتها الفكرية أصحابها كتّاب أكفاء وحقيقيون يؤثرون إيجاباً في الكتابة والقرّاء ولا يبخسون كلمة الكتاب ثمنها .
نور محمد حاتم