الرّواية ارتقاءٌ واضمــحلال.. صعودٌ يقابله أفـــــول

العدد : 9549
الخميس 12 آذار 2020

 

 

مَن منّا لم يقرأ روايات الطفولة ويطالع صفحاتها، ويتأثر بأحداثها ويصدقها، ويتعاطف مع شخوصها سواء حباً أم بغضاً، من ورايات عبير إلى الروايات والقصص العالمية كسندريلا وبياض الثلج والأقزام السبعة، والألغاز، ونساء صغيرات، وأليس في بلاد العجائب، وصاحب الظلّ الطويل و…، ولم تقتصر تربيتنا على روايات الطفولة الأولى بل تابعنا معها كباراً، وكانت يوماً ما جزءاً من يومياتنا وساعات فراغنا التي تملؤها مغامرةً وتشويقاً وحباً وشغفاً وانتظاراً لتطورات أحداثها…

بدايةً لابد من تعريف الرواية لغوياً كما جاءت في قواميس العربية على أنها سرد نثري طويل يصف شخصيات خيالية وأحداثاً على شكل قصة متسلسلة، كما أنها أكبر الأجناس القصصية من حيث الحجم وتعدد الشخصيات وتنوع الأحداث،
والرواية حكاية تعتمد السرد بما فيه من وصف وحوار وصراع بين الشخصيات وما ينطوي عليه ذلك من تأزم وجدل وتغذية الأحداث، ومن أنواعها المتعددة نذكر: روايات الأطفال – روايات متنوعة – روايات بوليسية – روايات عالمية – روايات ساخرة – روايات واقعية – روايات طويلة – روايات قصيرة ـ ولعل أشهر أنواعها وأكثرها انتشاراً هي الرومانسية، كونها الأقرب إلى وجدان القارئ ومشاعره، تحرك عواطفه وأحاسيسه، تخاطب روحه قبل عقله، لكن السؤال الذي يتبادر إلى أذهاننا لماذا الرومانسية دون سواها تلقى كل هذا الرواج والانتشار؟
الجواب على ألسنة النقّاد والكتّاب الكبار يبرر ذلك، إذ حقّقت الروايات الرومانسية جماهيرية واسعة وصدىً كبيراً بين قرّاء الأدب بمختلف أعمارهم وشخصياتهم لكونها شكّلت متنفّساً لواقع البعض أو تحقيقاً لحلمٍ بعيد المنال للبعض الآخر، ونستطيع القول إنها لعشاق الرومانسية في كل مكان، كرواية روميو وجولييت التي تستند في أحداثها إلى الواقعية ونقل الحقيقة، وكذلك رواية أحدب نوتردام الذائعة الصيت، التي ما تزال تحقق أرقاماً عالية في المبيعات حتى يومنا هذا.
أما عربياً فرغم تأخر ظهور أدب الروايات إلا أنها أثبتت حضورها الأدبي والثقافي، كأحد أعمدة الأدب وأجناسه، وقد صُنفت كأحد أكثر الكتب مبيعاً في المكتبات العربية، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر: كوابيس بيروت لغادة السمّان، والمتشائل لإميل حبيبي، والزمن الموحش لحيدر حيدر، ورجال في الشمس لغسان كنفاني، وبين القصرين وقصر الشوق والسكرية لنجيب محفوظ، وعزازيل ليوسف زيدان، وزينب لمحمد حسنين هيكل، ومن الروائع العربيَّة الأخرى التي شكلت علامةً فارقةً في الأدب العربي: دعاء الكروان، والأيام، والمعذبون في الأرض لطه حسين، و ذاكرة الجسد لأحلام مستغانمي، والشراع والعاصفة للأديب السوري الكبير حنا مينه…
وفي البحث عن أسباب المبيعات الجماهيرية الكبيرة للرواية دون سواها من الأجناس الأدبية، رغم أنها قد تكون أقل قيمةً لناحية المضمون والمعنى والهدف، يعزو البعض ذلك إلى المسير الدرامي والمنعطفات المشوّقة لشخصياتها والتطورات التي تطرأ على مسير الأحداث فيها على غرار مشابه للمسلسلات الدرامية وسياقها التصاعدي الدراماتيكي، والحبكة المتقنة لأحداثها، ما يشدّ القارئ كما يشد العمل الدرامي متابعيه، لا سيما في الروايات البوليسية وذات الخيال العلمي التي تسرح بخيال وعقل القارئ بعيداً عن واقعه ومنغّصاته، ويطلق العنان لآفاقه الواسعة في التخيّل والانعزال عن الواقع.

كذلك فإن الروايات وخاصةً الرومانسية يجد محبّوها متّسعاً كبيراً يسكبون فيه أحاسيسهم وعواطفهم ومشاعرهم، وينفّسون عن مكبوتاتهم وأسرارهم، والذي يلعب كاتب الرواية دوراً كبيراً في تحريك قلوبهم وعواطفهم، من خلال محاكاته لحوادث واقعية سواء تحاكي الزمن الحاضر وتقاربه أم لا، وتعتمد الكلاسيكية البسيطة دون مواربة، وأحياناً فإن تحرر الكاتب من الضوابط الأدبية وتمرده عليها يسهم في شدّ القارئ وجذبه.. وهنا لا بد من التلميح إلى الغايات التجارية لبعض الكتّاب، وانسياقهم وراء المنفعة المادية على حساب النص والمضمون الراقيين، ودون أي اعتبار للذائقة الأدبية، وأسس اللغة العربية الصحيحة والسليمة.
ومن العوامل المؤثرة أيضاً في رواج الروايات (الهابطة): دور النشر وتحكّمها في ترويج اسم معين دون غيره، لاعتبارات شخصية ومادية بحتة، فتلغي مَن تريد، وتساعد في ازدهار اسم مَن تريد، دون مراعاة للأسس الفنية والأدبية.
كما تلعب الرواية الرقمية المستجدة دوراً في تحييد الروايات المقروءة الهادفة، وتروّج للهابطة منها، وفق أدوات وأساليب مبسّطة، دون تكلّف أو تعقيد، وهنا يستعرض النقّاد من أصدقاء الكاتب ومحبّيه ومقرّبيه مديحهم له ولكتاباته (كذباً ورياءً).
أما السخرية والفكاهة والإباحية نوعاً ما جلّها أسباب جذبت شباب اليوم التائه في دوامات الضياع والتيه، وبعضهم وجد ضالّته فيها، ومتنفّساً لرغباته المكبوتة، أو لأحلامه الواهية في القصور والسيارات الفارهة والثراء الفاحش، فلامست آماله وآلامه المدفونتين، وحققت له شيئاً من طموحاته ولامست همومه واهتماماته وشجونه وأشجانه وإن كان على الورق فقط.
بالمقابل فإن تحويل الروايات إلى أعمال درامية أسهم وإلى حدّ كبير في ترويجها، خاصةً فيما لو كانت لأسماء كبيرة، وبذلك حققت هدفاً ثنائياً مزدوجاً للرواية وللعمل الدرامي معاُ بغضّ النظر عن أيّ اعتبارات.
أخيراً تبقى الرواية أحد أعمدة الأدب الحاضر، وأساساً من مقومات صموده وبقائه، مهما تعددت أوجهها، سواء هبطت أم ارتفعت، اضمحلّت أم ارتقت، لها حضورها على رفوف المكتبات، وجمهورها الذوّاق العاشق تفاصيلها.

ريم جبيلي

تصفح المزيد..
آخر الأخبار