العدد 9542
الثلاثاء 3 آذار2020
هي حصى الدروب التي حشرجت والجداول التي لجّت شفاهها وبدأ الذّعر يبثّ صقيعه في الأيّام التي ما زالت تقف كطواحين الهواء حيث يمرّ الهواء وتبقى وحيث يمرّ الزمان وتبقى وحيث… وحيث وتبقى لا تدري ما خلفها ولعلّها لا تعي ما أمامها ولكنّها تعي حقيقة أنّها يجب أن تقوم بعملها إذا ما هبّت الرّيح التي تشبه في كثير من التفاصيل بعض مشكلاتنا والمحن التي نعيشها والتي تفرش ذاتها على دروب طويلة وشائكة ملأتها الأشواك بإبر الوخز المشبعة بآلام الحياة وأوجاعها.
وها هي مراكب السّفر تتحضّر للرّحيل والغياب خلف الضّباب حيث لا مجال للأفق أن يمدّنا ببعض أمل ولا للخيال أن يرسم صورة الحياة الجديدة في البلاد البعيدة ولا يبقى في صدور المودّعين إلا بقايا شوق تجمّر ورماد حنين يختبئ بين الضّلوع ينتظر أن تهبّ نسمة بعيدة أو ربّما قريبة تُشعل الذّكرى وتقضّ المضجع فيتقلّب العاشق يمنة ويسرة ويغادره النّوم فلا يعرف للغروب وقتاً إلا وقت الرّحيل ولا يُدرك للشروق معنى إلا وجه الحبيب المهاجر المسافر، حبيب يجترّ الأيّام والذّكرى ويقتات الحبّ الذي يشتعل في القلب فتشعّ الحياة وتشرق الوجوه ويوغل العاشق في نسل الضّياء.
وعلى مفرق دروب تعدّدت وتفرّقت حتى نراها تبعثرت بعض أحلام يفرّ الشّذا إلى البعيد فلا مدى يُنظر ويغادر معه تلك الخيوط التي انسلّت من الأزاهير لتنسج بساط ريحٍ تلوي نفسها على نفسها أو كإعصارٍ غطّى ضوء القمر حتى بدا وكأنّه أفل حتى بات هذا العاشق ينتظر الصّباح علّه يحتمي بالنّدى ويمدّه ببعضِ حياة أو أمل أو علّه يرى في الصّبح بعض غمامٍ يحتمي بظلّه.
يا لهذا العاشق الذي يعدّ عمره رذاذاً من بعض جمر ولهب أيّام حبّ، عمْرٌ تمرمر بالقذى وعانى وحشة الأيّام وقسوة الانتظار فلا البرق أتى بالمطر ولا الغيمة رشّت طيوبها وندّت الأيّام ولا أرخت حملها .
وسيبقى العاشق يصلّي للغياب علّ الأمس يعود ليصبح غداً أجمل وأجمل سيبقى يُصلّي للينابيع التي جفّ ماؤها أن تعود وتجري وتروي ما بجوفه من ظمأ، وسيبقى الحبّ عنوان العاشقين ودليل حياتهم ليعلن العاشق أن الحبّ حجرٌ من دم الفجر.
نعيم علي ميّا