طقس الكتــــابة

العدد 9542
الثلاثاء 3 آذار2020

 

وحين تمسك أصابعنا القلم، وقبل أن يهم الكاتب بالنقش على البياض، وإشعال الذات وإحراقها بطقس مقدس عيدان محرقته أعصابه همومه، رؤاه، أمنياته، حاجاته، رغباته وأحلامه، أو قضايا رغبات وأحلام الناس، بسطاؤهم أو أغنياؤهم، يسأل نفسه، بل يقرأ عليها مسلمات طقسه المقدس هذا: ماذا أكتب؟ ولمن أكتب؟ ومن يقرأ،
وهل سيقرأ ما أكتب؟
هذه الأسئلة كلها وغيرها تكون حاضرة عند كل حركة أو عزف للقلم على أسطر الورقة، ثم يبدأ التحدي بين المساحة الخالية بفضائها الأبيض ومداها اللا متناهيين ونزف القلم واجتراح العواطف والمشاعر تحقيقاً لولادة ربما تكون عسيرة تموت معها الذات المبدعة معها قهرا مئات المرات، بل ربما آلافها، أو تسيل المفردات وتجري جري الماء في الغدير جنباً إلى جنب الصور في عالم من الخيال جميل وساحر.
في كلتا الحالتين يمارس المرء الكاتب أروع ما يمكن من عمل أو مهارة لا يشعر بلذتها إلا من خبرها، وتمرسها عركته فعركها، تحدته فتحداها، وقبل أن تصرعه صرعها وولد منها، وكان الإبداع في أروع تجلياته نثراً أو شعراً يحمل عناصر وخصوصية وقيمة وأهدافاً مبدعة.
في اللحظة التي ينجز فيها النص، وتكون الولادة، ينهمر غيث الفرح في ذات الكاتب المبدع، وتحلق عصافير السعادة في سماواته وتنطلق إلى أمداء لا يعرفها إلا من صانع الكتابة، اكتوى بنارها، أو اغتسل بشلال الرضى وهو يرى اصطفاف النص إلى جانب كتاباته السابقة في تشكيل رائع وجميل لمضمون كتاب أو مؤلف.
هنا يبرز للذات المبدعة سؤال كبير وهام فحواه: من سيقرأ هذا الخلاصة الروحية والإبداعية الناجزة؟ وكيف سيتم التعامل معها؟ وفي النهاية السؤال الأكبر: ما جدوى هذه الكتابة؟
إنه السؤال الهام الذي يلح على صاحبه، يقض مضجعه، وصل الكاتب فيه إلى الجواب أم لم يصل.
هذا السؤال الذي يتراءى خطيراً ولازما لدى الذات المحترقة في أتون الكتابة يبدو غير ضروري للقارئ، وللساحة الثقافية والنقدية، لأن التوقف عن الكتابة وإنجاز النص فيما لو تكاسل الكاتب وركن إلى اليأس على خلفية سؤاله الدائم: ما الجدوى من الكتابة، لأصاب حقوله اليباس، ومات زرعه، وغدا هباء تذروه رياح الفشل وموت الخلق والابتكار والأصالة، واستحال قلمه إلى أداة لا حبر تنزف، ولا روض يلد رؤى أو جمالاً…
إن الذات المبدعة مطالبة بالاحتراق دوماً كي تنهض من رمادها عتقاء الإبداع بصرف النظر عن النتائج المكتسبة، ومطلوب منها الاستمرار في اكتناه عملية الخلق مهما وضعت في طريقها حجارة العثرات، أو وضعت العصي في عجلاتها لأن عربة الكتابة ستحطم كل العصي التي تحاول إرباكها، أو تصيبها بالتوقف أو بلوثة القهقرى في طريقها نحو تقديم رسالتها السامية.

خالد عارف حاج عثمان

تصفح المزيد..
آخر الأخبار