العدد 9539
الخميس 27 شباط 2020
تشكل الألوان بمجملها انطباعاً بصرياً على العين، بعضها قوي وبعضها خافت، وتشكل الدائرة اللونية المكونة من اثني عشر لوناً أساس العلاقات اللونية كالتكامل والتضاد والتناغم، ويعد اللون الأزرق أحد أكثر الألوان المستخدمة شيوعاً، من الناحية التشكيلية، حتى أن بعض الفنانين التشكيليين اتخذ لنفسه مسميات تربطه بهذا اللون دون سواه.
وكونه أحد الألوان الأساسية المتعارف عليها وليس لوناً تركيبياً، فإن له دلالاته ومعانيه الخاصة، رغم تصنيفه كلون بارد وليس حارّاً، ويحمل مسميات كثيرة منها لون السماء والبحر ولون الطبيعة، ويُجمع الفنانون العالميون على أن لا أبعاد ولا حدود له، ويعدّونه لون الثقة والمسؤولية، ويرمز إلى الصدق والإخلاص وتعزيز الاسترخاء الجسدي والعقلي، ومن منظور علم النفس يدل اللون الأزرق على الأمن الداخلي والثقة بالنفس كما أنَّه يسعى إلى السلام والهدوء فوق كل شيء.
وتعكس الألوان المستخدمة عموماً والأزرق خصوصاً الحالة النفسية والوجدانية للفنان، وتأثره بالمساحات البصرية الشاسعة الموحدة اللون، ورغبته في أن تكون لوحته مرآته الخاصة، كما هو حال كثير من التشكيليين العالميين، حتى أن بعضهم حرص على إقامة معارض بلوحات لونية زرقاء موحدة بعضها مترابط وبعضها الآخر غير مترابط، يبوح بمكنوناته الشخصية باختلافات وفروقات لناحية المعنى والمضمون، تشعرك لوحاته بالهدوء والسلام الذي ينبعث من داخلها، وتستطيع أن تقرأ اللوحة دون أن تجهد نفسك بالتأويلات والتحليلات والتفسيرات.
وتاريخياً ذهبت الدراسات في حقول الألوان، إلى أن مكانة اللّون الواحد وقيمته تختلف باختلاف الشعوب والثقافات والعصور، فالأزرق، مجّده قدماء المصريّين وعشقوه، وعدّه الفرس مصدراً للحظ الجيّد والتفاؤل، بينما احتقره قدماء اليونانيين، ولم يأنس له بدو الصحراء.
وإن يكن الأزرق في الحضارتين الإسلامية والصينية على الخصوص قد ارتبط بالفنون المتعلّقة بالنقوش والزخرفة على الخزف والجدران وتعشيق الزجاج وفي المخطوطات، فإن الأزرق في حضارات أخرى كان مظهراً اجتماعياً يدعو إلى التمييز بين الفئات المجتمعية، ففي أووربا وحتى القرن الثاني عشر الميلادي، كانت ملابس الفلاحين زرقاء، بينما كانت ملابس الأغنياء بنفسجية.
لقد خاض الأزرق معاركه عبر آلاف السنين، قبل أن يحقّق هويّته ويصير له دلالته اللونية المُستقلة فهو الأزرق السماوي، والأزرق البحري والأزرق الليلي، والأزرق الرمادي، والأزرق الطاووسيّ، والأزرق البترولي، والأزرق الغامق، والأزرق اللازوردي وغيرها من تدرّجات الأزرق التي تتناغم مع الطبيعة أو تلك التي أوجدتها التقنية (حسب مجلة القافلة).
ورغم اختلاف تدرّجاته اللونية وتضاربها يبقى الأقرب إلى كثير من التشكيليين الذين يحرصون على أن يكون الأزرق أبجديتهم الخاصة ولغتهم التي يقرأون حروفها بين سطورهم دون سواها.
ريم جبيلي