قصيــدة النثـر.. البنية ومســوغات النشــوء في محاضــرة أدبيــة

العدد 9537
الثلاثاء 25 شباط 2020

 

لغة: قصد الطريق، استقام إليها وقصد الشاعر أنشأ القصائد، وفي الحكم: لم يُفرط ولم يفرّط، أي: عدل ولم يمل ومن معاني قصد تقصدت الرماح إذ تكسرت وصارت قصداً، ومنها القاصد من الأسفار: السهل والقصيدة من شعر العرب سبعة أبيات فأكثر، وهكذا فإن الجذر اللغوي لـ القصيد واسع الطيف، ومن الأكيد تبدو مشكلة المصطلح (قصيدة النثر) مرتبطة بمصطلح الشعر نفسه، فإن كانت النثرية تقتصر على تغيب الوزن فلا يخرجها التغييب من فضاء الشعر، ولابد أننا سنجد مسوغاً للتضايف بين القصيدة وبين النثر، وعليه فإن سؤالاً آخر ينبث من التضايف المذكور، وهو: ما مفهوم الشعر؟ وما علاقته بالنثر؟

بهذه المقدمة والتساؤل استهل رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب باللاذقية الدكتور صلاح الدين يونس محاضرته التي حملت عنوان: قصيدة النثر.. البنية ومسوغات النشوء وذلك في صالة الجولان بمقر الاتحاد، في مادتنا الآتية نسلط الضوء على أهم ما جاء فيها من محاور وأفكار.
بداية أكد الدكتور صلاح إن الشعر والنثر يجتمعان في فضاء واحد، ويجمعهما جوهر مشترك هو اللغة، فهي مادة التشكيل لكل منهما، أما النثر الفني فإنه تشكيل جمالي باللغة وهو نشاط إنساني يفصح عن وضعية ثقافية تاريخية، فهو لغة من حيث الطبيعة، وهو فعل من حيث الوظيفة ولعل اللغة تتكون من جوهرين: كل منهما خاص مستقل، هما الدال والمدلول، فالأول هو الصورة المنطوقة، والثاني هو الفكرة (التعبير والمحتوى) ،وفيما يخص اللغة ذكر المحاضر: أن الفارق بين الشعر والنثر كان في علاقة الطرفين باللغة نفسها أي أنه يحدد العلاقة بها استعمالياً أو وظيفياً أو جمالياً، وقد شبه الشاعر نزار قياني الشعر بالرقص (فن منظم) والنثر بالمشي، إذ يبدو الشعر مرتبطاً بالوظيفة الجمالية قبل أي شيء، ويبدو النثر هادفاً إلى غايات نفعية معينة وبالناتج: فإن الشعر يخدم اللغة، بينما يستخدم النثر اللغة إن ما يقال في النثر يمثل جوهر الرسالة النثرية، وتبدو الكلمات فيه تعبيراً حيوياً عن دلالتها الفكرية الكاملة والواضحة بينما الشعر يقوم على مهمة تفجير السياق بدلالات تصويرية مميزة، تخرج من التجاور الخاص والمقصود بين الكلمة والكلمات الأخريات، فيما يتعلق بالإيقاع ذكر د. يونس أن كثير من النقاد والباحثين حصروا مفهوم الإيقاع بالوزن اعتماداً على النقد العربي القديم عندما اعتبروا (الوزن) عنصراً فارقاً بين الشعر والنثر حين أدخلوا (الوزن) في تعريف الشعر، وهذا المعيار لم يعد مهيمناً أو وحيداً في عصر الحداثة فالوزن لا علاقة له بالشعر بوصفه كياناً لغوياً، وإنما هو بنية زخرفية من أصل شفاهي إنشادي، والذي كان نهجاً في إيصال الشعر إلى متلقيه، وخاصة إن كان مالكاً في ظرف تاريخي، وقد نفى أدونيس معيارية الوزن، ونفى أن يكون الشكل الخليلي هو الشكل الحتمي، وأن يكون قرين الجمال، فالشكل لا يمكن أن يكون خالداً وفقاً لحتمية معينة وإلا أصبح الشعر شكلاً من أشكال العلم، وعن بنائية التشكيل أوضح المحاضر أن قصيدة النثر- في عصرنا- تتلاقى مع الفن التشكيلي في إعادة توظيف البقايا القديمة والمهملات في تشكيلات فنية جديدة، فالعناصر اليومية والعادية والشيئية تمثل العالم الذي تتحرك في داخله القصيدة النثرية وبهذه العناصر تحقق مشروعيتها الفنية واليومي في قصيدة النثر يمثل المعيش وليس المتخيل، وحول محور السمات الجمالية للتشكيل ركّز د. صلاح على بناء الصورة والصورة المفارقة، ويقوم على الانتقال من مكونات اليومي والمعتاد إلى مكونات الحلم والخلط بينهما، أما الاختزال اللغوي وكثافة الرؤيا فهو الانكفاء عن التفاصيل، والاكتفاء بالعلامات والألفاظ والتراكيب القادرة على نقل المعنى والقيم الدلالية من مصادرها القريبة إلى مراميها القصية البعيدة عن التوقع.
أخيراً تخلل المحاضرة الكثير من المقاطع الأدبية النثرية أغنت موضوع المحاضرة.

رفيدة يونس أحمد

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار