العدد: 9534
الخميس 20-2-2020
أنت في الحقيقة تعزين نفسك بحجج فلسفية وتسألين نفسك هل بمقدورك أن تجعلي من الألم تجربة ذاتية، ومن الفشل نجاحاً جديداً، آراؤك تحددها الظروف، وحالاتك النفسية تتبدل حسب الزمان والمكان، ولا قيمة للوقت عندك.
أنت مدركة أن الحياة لا تتوقف في دورتها، ولا عند أي حدث، ورغم هذا تبحثين عن الثبات وعن التوازن وسط عواصف العمر الهوجاء.
أحياناً أراك مثل نخلة تتطاول باحثة عن الأفضل وفي أكثر الأحيان لا أرى لك وجود تتفاخرين به.
دائماً، كنت أقول لك: الأشجار تبقى واقفة، رغم تساقط الأوراق أتذكرين لكنك تكابرت وزممت شفتيك رافضة كل محاولات انتشالك من المستنقع الآسن وأنت أمام عينيّ تغوصين في بحيرة الضياع بطريقك إلى الموت البطيء.
ولازلت أتذكرك ونحن نتحدث في الحب والجنس والسياسة ومن تقليم الأظافر، وقراءة الأبراج في الصحف اليومية، إلى الثقب الأسود في المجرة قلت: عن الحب يومها، إنه فرح القلوب، وهو الحياة في معناها من الداخل وإنه لولا التفاحة لما استمرت الحياة وحول فهمك للسياسة، أذكر أنك قلت يومها أيضاً: هي فن استخدام الكلمات وهي أيضاً الممكن واللا ممكن؟
الآن آراؤك لم يبق لك منها شيء، أرأيت كم هو زماننا رديء أحمق؟
وبأعلى صوتك تصرخين: مضى القطار، وضاع العمر يا خال؟
والآن ماذا تقولين تغضن جمال وجهك وشحب لون الشفق في خصلات شعرك وازدادت خطوط التعرج حول عينيك التي كانت ليوم مضى نيزكاً في عمق المآقي، يختصر المسافة إلى القلب.
أيتها القروية الطيبة الرائعة لا تتعجبي من تناقضات الكتابة علانية أقول لك الآن كأنك آتية من غير حلقات هذا الزمن امتداد للخطيئة، واتساع لمساحة الغربة وما أصعب أن يكون المرء غريباً عن نفسه وعن روحه.
الآن أعود من رحلة الذكريات لأقص الحكاية من جديد لتلك الشجرة المذبوحة هجراً على قارعة الطريق من الجهة الشرقية لقريتنا المسيجة بالدخان والضجيج، أبوح لها، فأسمعها تبوح شكواها هي الأخرى، وربما نبكي غربتنا!
أبوح لها، تبوح هي عن جنون الريح وعن عشاق كتبوا الأحرف الأولى لأسمائهم على جذعها ولموا ما تناثر من قبلاتها حولها، ورحلوا…
أبوح أنا من انكسارات المكان وحسرة الزمان..
الآن في استرجاع الحسابات الذاتية… وقراءة الأرقام التي كنا نطلقها على الأيام واللقاءات… وعلى الدروب التي مشيناها… لعلك أدركت أن الحياة ليست أحلاماً وأمنيات فقط…
أعود ألمّ ما سقط مني سهواً ورداً وتفاحاً…أعود لأبوح من جرح لازال ينز من الشوق والغربة…
أبوح عن امرأة من دخان.. لازالت أقدامها حافية على إسفلت ساخن.
غازي زربا