حكايا تستوطن الذاكرة

العـــــدد 9524

الخميس 6 شــــــباط 2020

لم أستطع أن أخفي دمعي وأنا أتابع تلك الملحمة البطولية النادرة التي كتبها بدمه الشهيد باسل قرفول قبل أن يرتقي شهيداً، ودمعي لم يكن عن حزن بل لشيء آخر اعتصر قلبي ونفحه بشعور من العزة والوطنية فجاء الدمع مزيجاً من فخر وعطر.
أية إرادة وشجاعة امتلكها البطل باسل قرفول ابن قرية بويضة الزمام / الدريكيش الذي فجّر أربع مفخخات وكان بإمكانه الهروب من الرابعة لكنّه واجهها من مسافة قريبة جداً ليجود بعدها بأغلى ما عرف الجود لا من أجل سمعة أو مكسب أو ترقية وإنما ليحمي حلب وأهلها ويجسد البطولة وينال الشرف الرفيع الموصل إلى رحاب النصر والتحرير ويعود عابقاً بالمكرمات على وجه ذرى وتلال الدريكيش.
كم من الحكايات ستبقى متوهجة في تلافيف ذاكرتنا الجمعية عن أبطال اقتحموا حلبات الموت دفاعاً عن عزة الحياة.
قبل أيام كان لي شرف المشاركة في تشييع أحد الفرسان الذين قضوا دفاعاً عن قيم تحلو من أجلها الشهادة، مئات المشيعين التقينا وسط غابة سنديانية معمرة، كنت طوال الوقت مشدوداً إلى والد الشهيد الذي قدّم شابين للوطن، أدهشني بصبره وجلده، تابعته وسط الجموع يبكي بكبر الصابرين، ويستدرك ضعف عواطفه بصبر الكبار في مبرة القرية وقف والد الشهيد وسط جموع المعزين قائلاً: لن أقبل التعزية من أحد ولدي لم يمت وأنا في موسم العرس. وفي العرس تقدم التهاني لذا سأقبل التهاني، لا أعرف حينها عدد الذين بكوا بدموع الفرح والكبرياء.
أبو الشهيد الذي علمته الحياة دروساً في الصبر ورباطة الجأش رفع صوته وسط الجموع : تخيلوا أيها السادة لو أننا لا ننسى الأحزان ووطأة الفقد، وأخبار المصائب وصور القتل ولوحات الانكسار والدموع، تخيلوا لو أننا لا ننسى كل ذلك هل كنا سنجد في الدنيا على اتساعها ما يكفينا لنضمد جراحنا وأوجاعنا، وبالمقابل لو أن الفرح الذي ترسمه لنا الأيام في بعض محطات حياتنا دائم لكان ذلك مدعاة لتصور تفاؤلي يجعلنا عاجزين عن تقبل أية حالة حزن طارئة لذا علينا أن ننسى كي تستمر الحياة، ولكي تبقى سواعد الرجال تنتج خبزاً وفرحاً وترسم بطولات وتحقق أمجاد وانتصارات.
حكايا لا تنتهي عن أبطال قضوا ستبقى تزدهي بهم الأيام وتنفحنا ذكرياتهم بما هو أندى من الرياحين وعبق البساتين.

ابراهيم شعبان 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار