العــــــــــــــدد 9514
الخميس 23 كانون الثاني 2019
تستوقفنا ونحن نسير على أرصفة المدينة وبين أزقّتها وأحيائها ظاهرة ليست جديدة لكنها متجددة، وعادت إلى الظهور حالياً، وهي الرسم على الأرصفة، أو ما يعرف بـ (رسومات الأرض).
لوحاتٌ لوجوه أو طبيعة صامتة أو متحركة، كتاباتٌ وعبارات حبّ وغزل، تدوسها أقدام البعض دون أن تلتفت إليها، وأخرى تستوقف المارّة وتشدّهم إلى الاستمتاع بتفاصيلها وملامحها.
أدواتهم ومعداتهم بسيطة لا تتعدى ألواح الطباشير أو حبيبات الرمل أو أقلام الفحم.
تراهم يفترشون الأرصفة، وسادتهم الهواء، لا أصوات ولا جلَبة ولا ضجيج، بهدوء يمارسون هوايتهم وبأقلّ التكاليف، تتّسع لهم الأزقة مهما ضاقت، يبدعون في رسوماتهم المبهرة التي إما تلهمهم إياها مخيّلتهم الخصبة أو حتى المحدودة، أو تحمل بعضها طابع الواقعية، أو الرمزية، وبعضهم يستعين بالرسومات ثلاثية الأبعاد التي تبدو الأقرب إلى الواقع، حتى أنّ بعض المارّة يحيدون عنها ظنّاً منهم أنها حقيقية.
ورغم أنها موجودة ومتعارف عليها عالمياً إلا أن بعض النقّاد والتشكيليين الكبار لا يعترفون بها كأحد الفنون التشكيلية، حجّتهم أن رساميها مجرد هواة يرسمون خربشاتهم التي لا تلبث أن تمحوها عوامل الطبيعة أو أقدام المارّة.. حتى فكرة أن تطأها الأقدام وتدوسها فهي غير محببة أبداً، طالما أنه لن يكتب لها الاستمرار والبقاء والخلود كسائر اللوحات الفنية.
الظلم الآخر الذي يقع على رسّاميها بقاؤهم مجهولي الهوية، أسماؤهم في الظلّ، لا يعترف بهم أحد ولا يتعرّف عليهم، حتى أنّ بعضهم لا يوقّع لوحاته باسمه ويتركها عابرةً للأسماء والصفات.
أما الجمهور الذي يتكلّف عناء التوجّه إلى صالات العرض التشكيلية وما يستنزفه من وقت وجهد في الوصول إليها، اختصرت رسومات الأرض تلك المعاناة، وأصبح الفنّ هو من يأتي إليه ومجاناً، دون عناء يذكر.
ورغم اتهامه بأنه أحد أوجه الجنون الفني، إلا أنه أحد أشكال الفنون البصرية التي يتم إنشاؤها بالشارع وتحديداً بالأماكن العامة، وفكرة فن الشارع ترتكز بشكل الاختلاف والابتعاد عن أماكن الفن التقليدي، وتنفيذ الأعمال الفنية بدون وجود حسيب أو رقيب أو قواعد صارمة.
يُذكر أن فنّ الشارع قد ظهر للمرة الأولى عام 1980على هيئة فن الكتابة على الجدران، ومن مميزاته الالتحام والتواصل بشكل مباشر مع الجمهور دون حدود أو قيود، والتعرف على ردود أفعالهم المباشرة والآنية، وقد كان هدف فن الشارع دائماً وأبداً جذب الانتباه لقضية مجتمعية هامة، أو نشر القيم الجمالية، وهو من الابتكارات الفنية الحديثة والجريئة مثل الرسم بالقهوة وغيرها.
ويعد من الفنون الجميلة طالما ينشر بألوانه الفرح والبهجة ويضفي على جدران المدينة وأرصفتها رونقاً خاصاً ويمكن عدّه أحد وجوه المدينة التزيينية التي تغطي على التشويه البصري المتعمّد الذي تُكسبها إياها الملصقات الإعلانية وسواها.
ريم جبيلي