الوحدة- د.رفيف هلال
في تجربة فنية تحمل في طياتها رسائل إنسانية عميقة، شكّلت زيارة مجموعة من الفنانين المكسيكيين إلى مدينة إدلب حدثاً لافتاً، بعدما شاركوا في رسم جدارية تعبّر وفق القائمين عليها عن الاحتفاء بتحرير سوريا وعن تضامن إنساني يتجاوز الجغرافيا والسياسة. ومع أن المدينة أنهكتها الحرب، فإن جدرانها بدت كأنها تستعيد أنفاسها مع أولى ضربات اللون.
وبخطوات قادمة من قارة بعيدة، حمل الفنانون معهم ثقافتهم وذاكرة بلادهم وتجاربهم البصرية، ليضعوا مشهداً فنياً يجمع بين الرموز السورية والمكسيكية في صورة واحدة. هذا التداخل الثقافي بدا كاحتفال صامت بوحدة الشعوب في مواجهة الألم، ورسالة تؤكد أن الفن رغم كل شيء قادر على تضميد بعض ما خلّفته السنوات القاسية.
وفي تصريح لوكالة سانا، قال الفنان المكسيكي بابلو أليسون: “أنا مصور فوتوغرافي وفنان أعمل على مشاريع أعتقد أنها مهمة للناس، لذلك تشغل القضايا الاجتماعية مساحة واسعة من عملي. كانت زيارتي، التي امتدت يومين أو ثلاثة، تجربة مذهلة ومثيرة للاهتمام. لم أواجه أي شيء سلبي، بل وجدت كل شيء رائعاً. البلاد تمر بمرحلة انتقالية، والأمور تتغير، والناس على وشك أن يصبحوا أكثر انفتاحاً”.
وأضاف أليسون أنه يشعر بسعادة كبيرة لرؤية البلاد تحتفي بالجمال بعد سنوات من المعاناة، معرباً عن أمله بأن يكون هذا التوجه هو ملامح سوريا الجديدة، وأن يتمكن العالم من رؤيتها بعيون مختلفة عبر زيارة أهلها والتعرف إلى شعبها الذي وصفه بالرائع.
ومن جهة أخرى، جاءت الفعالية ثمرة تعاون فني بين رسامين من إدلب وزملائهم المكسيكيين، من بينهم الفنانة سلام الحامض التي أوضحت أن الفنانين الزائرين تربطهم علاقات ودّية سابقة مع نظرائهم السوريين. وقالت: “الرسامون المكسيكيون كانوا أصدقاء لنا حتى قبل تحرير سوريا، وجاؤوا اليوم ليشاركونا رسم جدارية تعبّر عن فرحتنا في ذكراها السنوية. هذا هو فن الشارع، أو ما يُعرف بالغرافيتي، الذي يحمل رسائل مباشرة من الناس وإليهم.”
وبين ألوان الجدارية وتموجات خطوطها، بدت الزيارة كمبادرة فنية تتجاوز حدود الفن التقليدي، إذ لا تُختزل في لوحة على جدار، بل تفتح نافذة للحوار الثقافي بين شعبين يفصل بينهما امتداد المسافات وتجمعهما الرغبة في التعبير. إنها شهادة جديدة على أن الفن ليس مجرد ترف جمالي، بل لغة عالمية قادرة على بناء جسور، وترميم ذاكرة، وإيصال صوت السلام مهما اشتد الضجيج من حوله.

