بحث “الاقتباس من الخطاب السرديّ إلى السينما..” الأول من نوعه في الجامعات السورية

الوحدة :17-11-2024

ما بين الكلمة والصورة يتغير معنى الفكرة الواحدة، فما تحتويه الكلمة تقدمه الصورة بشكل مختلف وفي حالات قليلة تقدمه بشكل مطابق. هي إذاً إشكالية كبيرة تُحدثها عملية الاقتباس من النص الأدبي إلى الفيلم السينمائي والتي ينتج عنها تغير في المعنى عن قصد أو غير قصد.

ومع ظهور السينما بدأت الروايات العالمية تظهر بشكل سينمائي جديد، فالكلمة التي كان القارئ يستمتع بتخيل معناها، باتَ -بعد الاقتباس- مضطراً لمشاهدة ما يتخيله المخرج والذي بدوره يطبق رؤيته الإخراجية أو ينفذ أجندة معيّنة لجهات إنتاجية لها مصلحة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية في هذا التغيير.

التغيير الكبير بين النص الأصلي والنص السينمائي الجديد طرح العديد من الأسئلة وأهمها : هل يحق للمخرج تغيير بعض أحداث الرواية الأصلية أو إلغاء أو إضافة بعض الشخصيات في الفيلم المُقتَبَس عنها؟

وهل تغيير نهاية العمل الأدبي من حق المخرج؟

وهل جميع الروايات قابلة للاقتباس للسينما، فإن كانت الإجابة نعم يكون السؤال بعدها كيف؟ وإن كانت الإجابة لا، يكون السؤال لماذا؟

ولمقاربة منصفة بعملية نقل الرواية إلى فيلم سينمائي تصدّى الباحث وليم ياسين عبد الله لقضية “الاقتباس من الخطاب السردي إلى السينما و دوره في إعادة بناء المعنى” في رسالة أعدّت لنيل درجة الدكتوراه في كلية الآداب والعلوم الإنسانية -قسم اللغة الفرنسية.

ويعدّ هذا البحث الأول من نوعه في الجامعات السورية من حيث معالجة علاقة الأدب بالسينما وكيفية تحوّل الكلمة إلى صورة، وكيف يمكن التلاعب بهذا التحول بحيث يكون معنى النص الأصلي مختلفاً عن معنى الصورة المعروضة على الشاشة.

ومن أهم دوافع البحث كانت حالة التساؤل الاعتيادية التي يتداولها جمهور السينما الذين شاهدوا فيلماً مأخوذاً عن رواية قد سبق لهم قراءتها كَـ: لماذا نهاية الفيلم مختلفة عن نهاية الرواية؟ لماذا لم نرَ بعض الشخصيات في الرواية بهذا الفيلم؟ لماذا هناك أحداث في الرواية غير موجودة في الفيلم؟ وهل كل الروايات قابلة للتحويل إلى أفلام سينمائية أم لا؟ فإن كانت الإجابة نعم يكون السؤال كيف يتم ذلك التحويل وإن كانت الإجابة لا، يكون السؤال لماذا؟

هذا وقد تمحورت إشكالية البحث حول حق السينما في تغيير بعض الأحداث أو الشخصيات في النص الأصلي أو لا، وإن كان لها الحق في ذلك فهل لها الحق بتغيير زمن كامل للأحداث حتى لو كانت فكرة العمل الأدبي مرتبطة بالكامل بزمن محدد كما هو حال رواية “La Curée” للكاتب إميل زولا الذي يقوم مشروعه الأدبي بالكامل على تسليط الضوء على الحياة الطبيعية والاجتماعية للعائلة الفرنسية في ظل الإمبراطورية الثانية، أي في القرن التاسع عشر تحديداً؟

ينقسم الاقتباس إلى نوعين : الأول اقتباس حر والثاني حرفي، وهنا يجب الإجابة على التساؤل: متى يكون الاقتباس حرفياً ومتى يكون حراً وكيف يمكن نقل النص الأدبي على السينما، وهل يمكن للصورة أن تقدم نفس المعنى الذي تقدمه الكلمة؟

تجزأ البحث إلى قسمين الأول نظري والثاني عملي، وكل قسم تفرع إلى ثلاثة فصول.

في القسم النظري سلط الباحث الضوء على الأدب في القرن التاسع عشر باعتباره سبق ظهور السينما وكان له الدور الأكبر في إغناء السينما عبر اقتباس أعمال أدبية مهمة من القرن التاسع عشر وتحويلها إلى سينما في القرن العشرين.

ثم انتقل للحديث عن ولادة السينما وتطورها في القرن العشرين من السينما الصامتة إلى السينما الناطقة وأغنى هذا البحث ببعض الأمثلة عن الأفلام الصامتة التي تم اقتباسها عن أعمال مهمة كـَ البؤساء لفيكتور هوغو و جرمينال ل إميل زولا. وفي ظل تطور السينما وبداية السينما الناطقة، كان من الجدير تسليط الضوء على دور السينما في التأثير على المجتمع والرواية في القرن الواحد والعشرين.

ظهر في القرن الواحد والعشرين نوع جديد من أدباء الرواية وهم الأدباء الذين يكتبون الرواية والسينما بنفس الوقت، وهكذا أخذ الاقتباس منحىً جديداً في علاقة الأدب والسينما، وكانت رواية العراب للكاتب ماريو بوزو مع فيلمها الذي توزع على ثلاثة أجزاء مثالاً عن الرواية التي تتحول إلى السينما فور صدورها، وكانت رواية الفيل الأزرق للكاتب أحمد مراد مثالاً عن الرواية التي تحولت إلى فيلم سينمائي قبل صدورها، ويعود السبب في هذا التحول السريع للسينما آلية كتابة الرواية القريبة من الكتابة السينمائية ومَرّدُ ذلك إلى كون الكاتبين ماريو بوزو و أحمد مراد هما أديبان وسيناريست بنفس الوقت.

وخلال هذه الأبحاث والأفلام العديدة التي تم ذكرها وتحليلها بالقسم النظري، تطرق الباحث إلى أنواع الاقتباس الحرفي والحر وكيف يمكن للمعنى أن يتغير تبعاً لأسلوب المقتبس وللهدف المضمر من هذه العملية.

أما في القسم العملي فقد قام الباحث بدراسة تحليلية ومقارنة بين الروايتين “La Curée” و “Germinal” وبين الفيلمين المقتبسين عنهما وانتهت الدراسة بنتائج عديدة أهمها أنّ عملية نقل النص إلى السينما لا يمكن أن تعطي المعنى حقه بالكامل بل قد تغيره بالكامل، كما أنّ المذاهب الأدبية وعلى رأسها الطبيعية عندما يتم تقديمها بالسينما تفقد الكثير من قيمتها الأدبية، فالروائي يعتمد على اللغة في وصف الطبيعية لذلك يصبح من السهل عليه أن يعطيها قيمتها الحقيقية بينما يلجأ المخرج إلى الصورة لترجمة هذه الكلمات على الشاشة وهكذا يصبح من الصعب أن يتم نقل مذهب الطبيعية كما هو على الشاشة بل قد يقدم المخرج فكرة مختلفة عن تلك التي أراد الكاتب تقديمها.

هذا  وقد تألفت لجنة الحكم من الأساتذة:

الأستاذ الدكتور منصور حديفي.

الأستاذ المساعد الدكتور فؤاد الخوري.

الأستاذ المساعد الدكتور أحمد صوان.

الدكتور حسين صديق.

الدكتورة غادة نعمان.

 

نور محمّد حاتم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار