عزيزي يا صاحب الظل الثقيل..

الوحدة:18-8-2024

احتفلنا مؤخراً بعيد الصحفيين الذهبي، المتفق عليه في ذكرى تأسيس اتحاد الصحفيين، فتذكرتك حين خشيت مرة أن أتراجع عن حقي، قلت لي بسذاجة، وكأنك تجهل شخصيتي التي مافرطت في محبتك ولاتخاذلت في دفاعها عن حقها في هذا العشق لسنوات:
إذا كان الصحفيون سيذعنون فوداعاً للقيم.
وتذكرت قولاً آخر:
ألست من أبناء السلطة الرابعة، أم أن الأمر للزينة فقط؟
في الحقيقة حضرني القولان وأنا أستعرض شريط الاحتفالية في ذاكرتي الشقية التي لاتنفك تحرضني على المقارنات والمحاكمات العقلية التي قد لا تجدي في تغيير الواقع أبداً، لكني لا أتوقف عن إجرائها على أمل ما، نعم.. التزم كثيرون بالحضور، ورسموا ابتسامة ما اجترحوها بصعوبة على الوجوه المثقلة بهموم لم تخفها ألاعيب التجميل التي نحاول عبثاً أن نقنع أنفسنا بأنها ستجعلنا أسعد وأجمل، وألاعيب التجميل الجراحية أو غيرها طالت الجنسين معاً ذكوراً وإناثاً، وأنا لست ضد أن يفعل المرء ما يجعله أكثر رضى عن نفسه، ولكني لسبب ما لا أفضل الرجل الذي يصبغ شعره، فينكشف على لون أحمر بعد غسيل مرة أو اثنتين، وتجذبني خصلات الشيب الذي يفرض وجوده بوقار وجمال في رأس رجل رزين، فينعش قلبه ويحرضه على إحياء بعض الشقاوة و الشباب فيه.
بالعودة إلى موضوع السلطة الرابعة والزينة..أصدقك القول إننا غالباً لانرى في الصحافة إلا الزينة، و إلا فيما ندر ما ماعدت أقرأ في صحفنا ما يشعرنا بقوة السلطة الرابعة، تلك السلطة التي انشغل أصحابها بتأمين لقمة العيش لأبنائهم، فانصرفوا للبحث عن عمل آخر يؤمن لهم ذلك، وصارت كتابة المقال الصحفي تحصيلاً حاصلاً لأنهم مطالبون بعدد محدد من المقالات شهرياً في وظائفهم الرسمية في المؤسسات الإعلامية، وتراهم يسعون بجد لتأمين فرصة للكتابة في مجلة أو جريدة خاصة تدفع أجوراً جيدة، وقد يعزف كثيرون عن حضور الفعاليات والنشاطات على أرض الواقع بسبب مشاكل المواصلات من قلة وغلاء، فيكتبون من منازلهم تغطية الأحداث بحكم الخبرة، بعد الاطلاع على المعلومات من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي لايمكن إنكار طغيان سلطتها وحضورها على أي إعلام أو إعلان حالياً، وهذا يحدث كثيراً.
قلة قليلة من الزملاء مازالت تؤمن بجدوى الكتابة، وآخرون مازالوا يحاولون أن يستردوا ذلك الإيمان…وغيرهم فقدوه منذ زمن بعيد.
لكن أجمل مافي الحكاية، الصحفيون الشباب الذين يدفعهم حماسهم للحضور في المناسبات كلها، والكتابة عن كل شيء، وفي كل شيء، شعورهم بأن القادم لهم وملكهم يجعلهم أكثر تفاؤلاً وإصراراً، ونأمل أن يكون لهم ذلك فلا توقفهم مطبات الحياة.
عزيزي…
نهار أمس.. شعرت أن اللاذقية مقفرة كلها من الظلال، على الرغم من حرارة الشمس العالية التي بسطت وجودها على كل نفس من أنفاسنا….هل كنت بعيداً إلى هذا الحد فغبت وسرقت معك ثقل الظلال كلها.
في الحقيقة ياعزيزي، الحق معك…ليس البقاء في المدينة فكرة جيدة في هذا الحر، لابأس بالهروب قليلاً من رطوبة البحر إلى برودة الجبال، طبعاً لمن استطاع إلى ذلك سبيلاً مع خضوعنا لسلطة المال والوقت وجبروت المواصلات والنقل.
عزيزي…
أعرف جيداً موقفك من صحافتنا المحلية، ولكن…سأخبرك أمراً أظنك لست بغافل عنه، مشكلتنا الحقيقية تبدأ في المدارس التي ترفد الجامعات بطلاب هشين لايملكون أساساً معرفياً وعلمياً ثابتاً ولا هدفاً واضحاً، في الجامعات التي تعد مدرسي المستقبل بطرائق كلاسيكية، فيشرفون لاحقاً على رفد جامعاتهم بطلاب يشبهونهم، وهكذا تدور الدائرة في مجتمع يعتبر دراسة الطب درجة أولى، و المعلمون على اختلاف اختصاصاتهم يبتعدون عشرات الدرجات بعد ذلك.
جعل الله القابل خيراً من القافل لصحافتنا وظلالها الثقيلة منها والخفيفة، ولكل من خاف على وطنه فكتب حرفه بصدق وأمانة.

 نديم عمران

تصفح المزيد..
آخر الأخبار