إرثٌ مـُـرهـِقٌ

العدد: 9376

 الأحد-30-6-2019

 

 

هي الحياة بحلوها ومرّها وتبقى الأيّام التي تحلو بنا أكثر ممّا نحلو بها، فلا معنى للأيّام ما لم نكن الغذاء الأساسيّ والقوت اليوميّ لها، ولأنّها على هذا المستوى من الأهميّة والخصوصيّة لابدّ لنا من أنْ نسعى لصناعتها الصّناعة التي نفتخر بها ونعتزّ، فنكون قادرين على أنْ نرى اليوم ما هو في المستقبل وذلك عبر الغرس الذي نغرسه والأمل الذي ننتظره ونتوخّاه عبر أجيالنا الطّالعة القادمة من رحم المستقبل لا من دفاتر الماضي، ولن يكون لنا ذلك ما لم نُحسِن الغرس من جهة والرعاية من جهة أخرى، فكلٌّ منّا مسؤول عن غرسه وزرعه، وكلٌّ منّا سيفخر بما غرس وزرع، لأنّنا نعمل معاً على إكمال الأجزاء لتتكامل الصّورة وتبدو بهيّة الألوان.
ولكنْ مَنْ منّا لا يُدرك خطورة الأيّام بما تحمله في طيّاتها من مفاجآت بعضها يسرّ وبعضها نتمنّى أنْ يكون سارّاً، هذه الأيّام التي تأخذ الأجيال غير المحصّنة إلى حافّة الهاوية إذا انغمست تلك الأجيال في ثورة المكاسب العلميّة والتقنيّة وأخذتها ذاك المأخذ هذه المنجزات المبهرة للثورة التي لم تزلْ حتّى يومنا هذا وإلى ما بعده وبعد بعده تحمل المفاجآت الواحدة تلو الأخرى وتقضي على ما نعتزّ به ونفتخر على أنّه خصوصيّة المجتمعات العربيّة ذات الألفة والحميميّة.
نعم ستكون هذه الأجيال اللاهثة خلف المسمّيات والمكتسبات في خطر إذا لم تكن محصّنة بحصانة القيم الرفيعة والمشاعر النبيلة وبعيدة عن مفهوم الجماعة لتصبح العلاقات قائمة على ضروب الافتراض ودروب الريح التي لا تُبقي ولا تذر إذا ما هبّت وعصفت أو حتى إذا ما كانت نسمات خريفيّة لا تُبقي شيئاً في مكانه بل أكثر من ذلك إنّها تُغيّر معالم الحياة التي لا تحلو إلاّ بمرّها، ولكنْ مُرَّ الضياع والفَقد جرحٌ لا يجب أنْ يكون.
هو الأمر هكذا وعلى هذا القدر من المسؤوليّة والاهتمام أنْ نورّث الأجيال القادمة تلك القيم الرفيعة والمشاعر النبيلة وأنْ نعلّمها أنّ الإنسان أخو الإنسان خيرُه في خيره وشرُّه في شرّه، وأظنّه هو الإرث الذي يجب أنْ يكون، ولكنْ لا بدّ أنّه سيكون إرثاً مرهقاً في عالم المادّيات.

نعيم علي ميّا 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار