الوحدة 31-8-2024
ما أجمل أيام زمان.. كان كل شيء بخير، ونعيش بوفرة، والجار قبل الدار، اليوم الولد الذي تصرف عليه مالك وحلالك وتفني عمرك وجسدك عليه يريد أن يحرمك من الحياة والدنيا، هذا ما تقوله أم سمير الأرملة التي زوجت ولدها الوحيد لترى أولاده، وتفرح بهم، بعد أن عانت في تربيته وذاقت الأمرّين لتوفر له عيشة هنية كما رفاقه والأقرباء، حيث عملت في المزارع وجني المحاصيل وحتى في تنظيف البيوت وكان الولد المرضي المطيع، لكنه تغير بمجيء بنت الحلال كما تقول: والتي اخترتها له، لأكون خلف باب الدار وهي داخله، لم أتذمر أو أشتكي ما دام بخير ولا أريد أن أخرب عليه، فاستأجرت غرفة في أطراف قريتي وحمدت ربي أني ما زلت أقوى على العمل، ولكن جسدي ضعيف بعض الشيء لهذا تركت التنظيف والزراعة، وبتّ أقصد الجبال والتخوم لأجلب الزهور والعطور وبعض النباتات والخضراوات التي أشتريها من الجارات على رصيف هذا الحي البهي، والحمدلله ألقى فتات يومي ولا أحتاج صدقة أو حسنة من أحد والحمدلله مستورة.
الجدة أم أحمد تقول: كان الخير والرزق كثيرين، حيث كنت أزرع في حديقة الدار بعض الخضراوات التي لا يتجاوز عدد شتول كل نوع عشر شتلات وتثمر بالأرطال ما يفيض عن حاجة بيتي آخذ ما أحتاجه وأضع الباقي خارج البيت ليأخذ منه الغادي والبادي، كان الرزق وافراً والأرض خيرة، اليوم تزرعها كلها ولا تنتج ما يكفيك، هل تغيرت كما النفوس؟ كنت أعمل المؤونة وأوزع منها وحتى أنها لا تنتهي وتلاقي أختها في سنة تليها، أما اليوم فبالكاد نعمل منها ما لا يسمن ولا يبل الريق بسبب قلة الحيلة والمعاش كما يقول المثل: (لما صرنا نعبي المونة بكياس ما عاد نقدر نطعمي الناس).
أم نبيل تؤكد أنها لا تستطيع استقبال ضيوف لا من بعيد ولا من قريب، فهي موظفة وتكد في النهار، وبعد عودتها للبيت ستلاحق الطبخ والتنظيف وباقي الواجبات عند الزوج والأولاد، وتترحم على أيام زمان حيث كان الزوج يلبي كل الطلبات لكن بسبب مرضه وعجزه قعد في سريره، ولم يبق مصدر رزق لهم غير راتب ضعيف، مما اضطرها للعمل لترميم العجز في المعيشة وحاجته من الدواء، وهو ما أبعد عنهم الأصدقاء والأقرباء ولا أحد يطرق بابهم غير المدينين، فلما كان العز والفرح قائمين، كانت الولائم والاستقبالات ولم يخلُ يوماً بيتهم من الضيوف، أما الحاجة والمرض أبعداهما جميعاً وباتوا في هذا العالم بلا صاحب..
هدى سلوم