الوحدة:29-8-2024
الأعياد الدينية لها رمزيتها وقداستها لدى مختلف الطوائف، ولئن تشابهت لفظاً – أحياناً- لكنها تختلف في طقوسها ودلالاتها وممارساتها، ويعدّ عيد الفصح مشتركاً بين اليهود والمسيحيين مع اختلاف الرمزية والدلالة والمواعيد بينهما، إذ يرمز عند اليهود لخروجهم من مصر، أما في المسيحية فيرمز لآلام السيد المسيح عليه السلام وما لقيه من أذى وتعذيب.
ويبدو لمعظم الأعياد الكبرى بعض الصلة بتغير الفصول، وكذلك الحال مع عيد الفصح، الذي يحل بالقرب من الاعتدال الربيعي (حوالي 20 آذار)، فالربيع يعني العودة إلى الحياة وبالنظر إلى رمزية الحياة الجديدة والبعث الجديد، كان من الطبيعي الاحتفال بقيامة السيد المسيح عليه السلام في هذا الوقت من العام.
واختلفت الأعياد المسيحية عن اليهودية منذ عصور المسيحية المبكرة، وتتغير تواريخ عيد الفصح كل عام لليهود والمسيحيين، على الرغم من أن سنوات عديدة تتزامن، فإنها ليست قاعدة صارمة لأن الاحتفالات تحكمها تقاويم مختلفة،
فاليهود يحتفلون بِعيد الفصح باعتباره أحد مهرجاناتهم الرئيسة التي يتذكرون فيها الرحلة التي قام بها الشعب العبري مع موسى لعبور البحر الأحمر.
كما تفاوتت الكنائس المسيحية لاحقاً في تحديدها للعيد، وجرت العادة أن يصوم المسيحيون في الـ50 يوماً التي تسبق العيد، وفي الأيام الثلاثة الأخيرة يُمسك بعض الناس عن الأكل والشرب نهائياً، تمثلاً لآلام السيد المسيح عليه السلام على أن يفطروا يوم العيد على إيقاعات الأهازيج وأضواء الشموع.
ويتنوع صوم المسيحيين حسب الكنائس، بين الامتناع عن الأكل ساعات محددة ومعينة خلال اليوم والامتناع عن أكل أصناف من الطعام، ويستثنى يوم الأحد من الصوم. وصيام الأيام الخمسين تشمل أربعين يوماً سابقة على أسبوع الآلام يُضاف إليها أسبوع الآلام ثم أربعة أيام تعويضاً عن أيام الأحد في الأربعين الأولى.
وتُقام الصلوات للعيد ويُتلى الكتاب المقدس وتُناوَل ذبيحة القربان المقدس، وتُختتم فعاليات قداس الفصح بترنيمة.
وعن جذور الخلاف بين الفصحين فمنذ القرن الثاني الميلادي طورت بعض الكنائس لاهوتاً كان معادياً جداً لليهودية بحسب المؤلفة والمؤرخة الإيطالية آنا فوا المختصة بتاريخ اليهود.
ويُعتبر عيد الفصح من الأعياد الكُبرى لدى كلٍّ من الدّيانتين اليهوديّة والمسيحيّة، فهو لدى الطوائف اليهوديّة يستمر لمدة سبعة أيام أو ثمانية أيام، ويُحتفل به استذكاراً لما هو مكتوب في التوراة في سفر الخروج، لعبور النبيّ موسى بالشّعب اليهودي من بني إسرائيل من أرضِ العبوديّة التي هي مصر في عهد الفراعنة، والتي مَكثوا فيها مدّة أربعين سنة عملوا خلالها عند المصريين كعبيد لهم، إلى أن وصلوا أرضَ كنعان بعد أن أنزل الإله على مُوسى الوصايا العشر.
وطقوس الفِصح اليهودي مختلفة عن غيرها إذ يدوم الاحتفال بهذا العيد مدة سبعة أيام، لا يأكلون فيه الخبز المختمر، بل يَستبدلونه بالفطير الخالي من الخميرة، حيث يتخلّصون قبل العيد من كافّة المأكولات المختمرة بحرقها، وتُسمّى عشية العيد بِلَيل هسيدر (ليلة المنهاج)، وتجتمع العائلة على مائدة العشاء، حيث تُتلى الصلوات الخاصة والترانيم التي تحكي قصة العبور من (كتاب الهجداه) التقليدي، كما يُفتح باب المنزل كدعوى للنبي إيليا ليدخل ويبارك البيت ومن فيه،
ويعرف أيضاً باسم عيد الفطير، ولا يقتصر الاحتفال بالفصح اليهودي على يوم واحد مثل سائر الأعياد، بل يستمر نحو سبعة أيام متواصلة، بين الـ15 من أبريل (نيسان) والـ20 من الشهر عينه حسب التقويم العبري، أما طقوس الاحتفال بالفصح اليهودي فمن المعروف أن العائلات اليهودية تبدأ عادة الاستعداد لعيد الفصح قبل مدة طويلة من العيد نفسه، غير أن التنظيف الخاص بعيد الفصح اليهودي له هدف خاص، وهو التخلص من “الحاميتس”، أو “الخمير”، بمعنى التخلص من الخبز المخمر، وخلال الفصح يأكل اليهود في كل أنحاء العالم فطيراً، وهو عبارة عن خبز مسطح غير مخمر يسمى خبز المصة.
بينما نجد طقوس الفصح المسيحي بعد إقامة القداديس الاحتفاليّة في الكنائس أن تزور العائلات بعضها بعضاً مُهنّئةً بالعيد، وتجتمع على غداء الفصح، كما تُزيّن البيوت برموز الربيع والبيض الملوّن والدجاج والأرانب، فتطغى الألوان الصفراء والخضراء والبرتقالية على مفارش الطاولات وتُعدّ الحلويات والبيض المصنوع من الشوكولا.
فيما يعرف الفصح المسيحي أيضاً بعيد القيامة، أي قيامة السيد المسيح عليه السلام من الموت، بعد ثلاثة أيام من صلبه ويعتبر أهم الأعياد في المسيحية عبر ألفي عام.
أما طقوس الصوم المسيحي تقسم أسابيع هذا الصوم إلى ثمانية أسابيع، كل أسبوع يطلق عليه اسماً، وتبدأ بأحد الرفاع أو المرفع، الذي يكون الفرصة الأخيرة لأكل اللحوم قبل بدء الصوم، وتستمر المسيرة في قراءة الكتب المقدسة وأداء مزيد من الصلوات وصولاً إلى أحد الشعانين، أي ذكرى دخول السيد المسيح إلى القدس، حيث استقبله أتباعه بأغصان الزيتون وسعف النخل،
توقعاً منهم أنه الذي سيخلصهم من نير الرومان وطغيانهم، بالوصول إلى الأسبوع الأخير، وهو أهم أسبوع في صلوات المسيحية، نجد بعد أحد الشعانين ذكرى ما يعرف بالخميس الكبير أو خميس الأسرار، ثم الجمعة العظيمة، وأخيراً الوصول إلى يوم سبت النور، حيث تقام الصلوات في المساء، صلوات عيد الفصح أو القيامة، إذ تشعل شمعة الفصح الكبرى وتبقى مضاءة طوال الليل، ولا تزال عادة تلوين البيض مستمرة حتى يومنا، فتعج المتاجر ببيض طبيعي وغيره من الصناعي واليدوي.
وعلى الرغم أنه من أهم الأعياد الدينية التي يشهدها الغرب يأتي عيدالفصح الذي يحتفل به اليهود والمسيحيون في مواعيد متقاربة، لكن هناك فارقاً مؤكداً وكبيراً بينهما، فارقاً في المحتوي والعقيدة والتراث، وحتى في الممارسات الطقسية التي تجري من حول الاحتفال عينه، والثابت أنه إذا كان عيد الفصح متفقاً عليه من جانب العالم اليهودي في موعد محدد، فإن الفصح المسيحي مختلف من حوله، بمعنى أن مسيحيي الغرب يحتفلون به في توقيت مغاير لمسيحيي الشرق.
وتبدو قصة الفصح ذات أبعاد تراثية وممارسات وأحداث ترتبط بالجغرافيا والديموغرافيا، وتختلف من دولة إلى أخرى عبر التاريخ.
وكما كان ميلاد بيت لحم الأخير حزيناً من جراء ما يحدث في غزة عقب طوفان الأقصى الذي بدأ في ٧ أكتوبر تشرين الأول الماضي من قتل وتخريب ومن هجمات ومجازر ترتكب بحق المدنيين العزّل فإن فصح الأرض المقدسة هذا العام بدا أكثر حزناً، والقدس مدينة الآلام التي كانت تعج بالمصلين والحجاج من جميع أرجاء المسكونة بدت خالية من الزوار بل حتى ومن المؤمنين المقدسيين، حيث منعت قوات الاحتلال الصهيوني المسيحيين الفلسطينيين من الوصول إلى مدينة القدس للمشاركة في إحياء صلوات أحد الشعانين، كما أن سلطات الاحتلال اشترطت على الفلسطينيين، المسلمين والمسيحيين، استصدار تصاريح خاصة للعبور من حواجزها العسكرية المحيطة بالمدينة المقدسة والوصول إلى أماكن العبادة بخاصة المسجد الأقصى المبارك وكنيسة القيامة.
وللإحساس بألم ومعاناة الغزاويين ألغت الكنائس هذا العام جميع المظاهر الاحتفالية بالأعياد، في ظل العدوان المتواصل في قطاع غزة.
أما بطاركة القدس فقد جددوا في بيان لهم على هامش الفصح مطالبتهم بوقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة.
ريم جبيلي