هل حكمنا على أنفســــــنا أن نذبل مع الشـــــموع ؟

العدد: 9376

 الأحد-30-6-2019

 

شمعة تذبل، حبات رمل تسقط، عقرب يهرول، ماء يتدفق، أجراس تقرع، طبول تدق، حواجب تقطب، قلوب تجزع، آمال تقطع وانتهى الوقت، تأخرت، أخلد للنوم، فاتني القطار ولم ألحق السرب وماذا بعد! هل سأبقى مقيدة بالأرقام بالتواريخ بالدقائق والثواني، هل سأستمر بسماع تكاتك المستفزة؟ ثلاث سنوات مضت، ها هي قد قيدتني دون أن أشعر، ما المشكلة في أن تنزل آخر قطرة من الشمعة، بأن تسقط حبة الرمل الأخيرة، بأن تلدغنا أيها العقرب المتهور، بأن يفيض الماء، بأن يقرع الجرس، ما المشكلة في هذا كله هل حكمنا على أنفسنا بجحر الوقت والزمن، هل كتبنا على أنفسنا بأن نذبل مع ذبول الشموع، بأن تسقط أحلامنا مع حبات الرمال، بأن نكشف جلودنا للعقرب الماكر، بأن نغرق في سيول الأرقام والثواني.. ما المشكلة بأن تلعب في سن العشرين، بأن تتزوج بالثلاثينيات، بأن تكتب في الخمسين، بأن تتعلم في الستين، بأن تسافر في السبعين! ربما أجدادنا اخترعوا القيود هذه لكن لا أعتقد بأنها قيدتهم ساعة شمعية ساعة رملية وساعة بعقرب وأخرى مائية ومن ثم هاتف ومنبهات وأجراس، فجدتي تستيقظ على صياح الديك، تبدأ نهارها بنشاط مع أشعة الشمس الصفراء، وربما تنام مع اجتماع العصافير على الأشجار لا تعرف ما اليوم أو ما الساعة أو ما عمرها؟ تعرف بأن اليوم لها، تحمد الله ثم تفعل ما تفعل، تسقي الأزهار تلاعب أحفادها، تقرأ القصص، تزور جاراتها في الحي الآخر، تصنع الخبز، وتطعم الحمام ثم تنام بسلام تام لذا لنكن كجدتي، لنخترع نحن لحظة سعيدة، لنخلق دقيقة فريدة، لنعش ساعة دون أن نشعر بأننا عشناها، فلنكتب مقالاً دون أن نحدد تاريخه، همشوا الزمان، عيشوا بأماكنكم هذه، بما تملكون، لا تقطعوا ذيل العقرب ولا تدعوه يلدغكم أيضاً، لا تحطموا زجاجات الرمل ولا تدعوها تحطمكم أيضاً، لا تحاربوا الوقت ولا تصادقوه أيضاً، فهو لا ينفع أن يكون عدوّاً ولا أن يكون رفيقاً كذلك أهملوه فقط، عيشوا بعيداً عنه وعن تكاته، اعتبروه غير موجود، فالنجاح والتقدم والسعادة غير مرتبطة بالضرورة بعمرك أو بزمانك، مرتبطة بك أنت فقط، مرتبطة بأن تعتبر نفسك آلة أو حاسوباً أو منبها فتعيش تائهاً غارقاً، أو أن تعتبر نفسك كائنا ًبشرياً محضاً، لذا أنا سأنام في وقت متأخر وقد أستيقظ باكراً أيضاً، فأفكاري حرة تأتي متى شئت ومتى أتت سأطيعها، فقد تأتي اليوم ولا تأتي غداً وسأتأخر عن ميعادي، سأنتظر القطار القادم، سأحلق حراً بعيداً عن السرب، ولن أبالي بالطريق أو بالهالات السوداء أو بأي شيء آخر سأنتظر الديك ليوقظني، سأستلهم من الشمس والقمر والمآذن، ثم سأخط تاريخي بيدي بعيداً عن كل شيء.

راما أرشوكية

تصفح المزيد..
آخر الأخبار