وقـال البحــــــر…ألق العمر

العـــــدد 9374

 26 حزيــران 2019

 

العمر الزمني للإنسان لا بد أن يأخذ مجراه، فليس بالضرورة أن تكون شهادة الميلاد هي المؤشر الذي يُعتمد عليه لتحديد العمر الحقيقي إضافة إلى القدرة على العمل والإنجاز، وهناك فوارق كبيرة في الأشكال التي يشيخ بها مختلف الأشخاص نفسياً وجسدياً، فأعضاء الجسم الواحد تكبر في العمر بنسب مختلفة عن بعضها البعض، والشكل الذي يظهر به المرء هو الذي يُعطي العمر الحقيقي البيولوجي بشكل أدق وأوضح من العمر الزمني، وهذه الفروق دفعت العديد من العلماء لطرح الكثير من التساؤلات حول ما يحدث أثناء التقدم في مراحل العمر.
يأمل الباحثون في تقديم الأجوبة الشافية والمقنعة حول أهم سؤال واستفسار بديهي، وهو: لماذا يشيخ البعض بشكل أكبر من البعض الآخر، وهل يمكن أن تؤثر مواقف المرء إزاء أحداث حياته ونمط معيشته على شيخوخته المبكرة؟
يعمد المختصون إلى تحديد عوامل معينة من شأنها الإسراع في الوصول لعمر الشيخوخة، وبالتالي التحذير من الاقتراب منها وضرورة الابتعاد عنها، ومن ناحية أخرى فقد تم اكتشاف أشياء من شأنها أن تؤثر في الشكل الذي يشيخ به المرء، وتسهم أيضاً في توفير الحيوية والصحة والنشاط على مدى العمر.
تعد كثرة العلاقات السعيدة عند المرء عاملاً مهمّاً جداً في وصف حياته بالحبور وصحته بالجودة، وهنالك دلائل على تأثير العلاقات الوثيقة في إطالة الأعمار، وأظهرت الدراسات أن الأفراد الذين لديهم علاقات متعددة كالمتزوجين والذين لهم عدد كبير من الأقارب والأصدقاء ويمارسون العديد من الأنشطة الاجتماعية المختلفة هم أبعد عن خطر الشيخوخة المبكرة من المنعزلين والمحرومين من هذه العلاقات، حيث أن تلك العلاقات تطيل العمر لأنها تلبي حاجة عاطفية شديدة لدى البشر، وهي صِمَام أمان إزاء أحداث الحياة الصعبة والشدة المفاجئة التي من شأنها أن تقلل المقاومة ضد الأمراض.
يتحدث العلماء عن النمط الذي يتسم أصحابه بشخصيات نزقة وحادة وسهلة الغضب، مما يجعل احتمال إصابتهم بالأمراض وأعراض الشيخوخة المبكرة أكثر من غيرهم، فلا شك أن الأسلوب الذي يتم به مواجهة الشدائد يؤثر في الحالة النفسية والصحة الجسدية، مع عدم إغفال أن العيش في ظروف الشدة البالغة لفترات طويلة يمكن أن يُنهك جهاز المناعة في الجسم ويتركه عرضة للعديد من الأمراض، ومن المؤكد بأن الحالة العقلية تتحدد بدرجة السعادة المنزلية والرضى في العمل والراحة في نمط المعيشة، كما أن للأحداث اليومية تأثيرها المباشر عليها فللمنغصات العادية تأثير على الصحة والمعنويات يفوق في سلبيته تأثير الأحداث الكبيرة.
وتتزايد الدلائل يوماً بعد يوم على أهمية وتأثير نوعية الغذاء والطعام على الصحة والنشاط، كما أن كل عادات ومحاسن الطعام الصحية والجيدة والمتخذة في الصغر تكون مفيدة وفاعلة عند الكبر والشيخوخة، ومن المعلوم أن لأوقات الراحة والإجازات والعطلات دوراً فعالاً وساحراً ولعله أقرب إلى المعجزات بالنسبة إلى المحافظة على الصحة والحيوية والنشاط، مثلما يفعل أيضاً النوم العميق والمريح في الليل، ولا سيما إذا كان منتظماً كون العديد من الأشخاص يضطرهم العمل والسفر إلى تغيير أوقات نومهم وراحتهم، ومن البديهي أن تعتبر الفحوصات الطبية الدورية مفيدة في إطالة العمر والتمتع بالصحة الجيدة واكتساب الوقاية الصحيحة من العديد من الأمراض والعوارض الصحية الطارئة.
تبدأ مرحلة الشيخوخة حينما تأخذ بعض الوظائف الجسمية بالتراجع وتستمر في ذلك إلى آخر الحياة، وهناك نظريات مختلفة بشأن أسباب الشيخوخة فمنها من تقول بأن عوامل البيئة المحيطة مجتمعة من أمراض وتلوث وشدائد ومنغصات حياتية تنهك المرء وتجعله يشيخ في نهاية المطاف، ومنها من تقول بأن نظام المناعة عند المرء هو مفتاح لغز الشيخوخة.
وأخيراً: يتضح مما سبق بأن لعمر الشيخوخة عوامل كثيرة وعديدة ومنها الوراثية والهرمونية والفيزيولوجية والاجتماعية والنفسية، وليس للمرء أي دور أو سيطرة على أي من تلك العوامل، ولكن من الممكن التحكم في كثير منها بالأسلوب الذي يتم به مواجهة الشدة والتفكير والاسترخاء والراحة التي تتمتع بها النفوس، إضافة إلى عادات الأكل والمحافظة على الصحة الجسدية والعقلية واتباع مبدأ الوقاية بشكل دائم، فكل ذلك يضيف سنوات من الصحة والحيوية والنشاط والشباب لعمر المرء.

د. بشار عيسى

تصفح المزيد..
آخر الأخبار