العــــــــــــــدد 9363
الثلاثـــــــاء 11 حزيران 2019
لم أسرع لتناول حلوياتها كعادتي فاستغربت وقالت: تحبين قهوتي المحمصة منزلياً وترتشفينها ساخنة عادة، لكنك اليوم تتركينها تبرد إلى جانب معمول العيد الشهي، لا هذه ليست طبيعتك، ما بالك؟
ابتسمت بألم وأنا أجيبها: فقد كل شيء نكهته يا جدتي في هذا الزمن، لم أشعر بمرور العيد من هنا أبداً..
هذه الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية سلبتنا إحساسنا بأشياء كثيرة،
المعايدات المكررة تناقلها الناس عبر (الواتس والماسينجر)، حتى أن كثيراً من الإخوة لم يتكلفوا عناء معايدة بعضهم ولو هاتفياً.
أرغب في الرسم، سأرسم غرفة مدير مدرسة يجتمع بكادره الإداري والتدريسي أو ربما جلسة لقاء عائلية إجبارية أو لقاء ما في مكان ما لمجموعة ما، كلهم رؤوس تجلس على قنابل موقوتة ستنفجر في أية لحظة.
ضحكت جدتي قائلة: بالفعل صورة حقيقية معبرة عن واقع الحال، البشر كلهم يجلسون على قنابل ولا يتحملون أي ضغط جديد لذلك ينفجرون لأتفه سبب.
عقبت قائلةً: وقد لا تكون كثرة الضغط، ربما كبر الرأس، فكم من رؤوس كبرت بل ظهرت من العدم وتضخمت كطبل أجوف حتى ظنت أنها ملكت العالم بمالها مجهول المصدر.
ردت جدتي: لكل زمن ناسه الذين يتحكمون في سير عقاربه، وناس هذا الزمن هم الأسوأ، ولكن وإذا تغافلنا عن الجانب الاقتصادي الذي يعاني منه أغلب الشعب السوري، تنعمين بحياة هانئة فلم تقحمين نفسك بقصص مؤلمة؟
جدتي، لا يمكن للمرء أن يعيش منعزلاً عمن حوله، هناك قصص كثير مزعجة حصلت مع أحبة وأصدقاء رائعين لا يجب أن تحدث لهم.
برأيك من المخطئ، رجل عامل إخوته بما يرضي الله ووقف إلى جانبهم في السراء والضراء على حساب أهل داره، أم إخوته الذين جحدوا وتنكروا بعدما قويت شوكتهم؟
من المخطئ، صديق عمل مع آخر فحمل عنه الجهد وصان الأمانة على حساب صحته ووقته ومستقبله دون أن ينال أجراً يتناسب ولو قليلاً مع ما يبذله، أم الصديق الثاني الذي استغل كل ذلك ولم يقدره وبعدما استكفى استغنى عن صديقه أيام محنته دون أن يمنحه تعويضاً؟
هل صاحب الضمير مخطئ في زمن اللا ضمائر؟! هل الشهم غبي، والصادق أحمق، والأمين مغفل؟
وبرأيك ما هو شعور من يسهم في أعمال تطوعية مجانية حباً في عمل الخير ويكتشف لاحقاً أن غيره يقبض في الخفاء ويظهر في العلن بأطهر الأثواب؟
ما شعور موظف أو عامل منتج وفعال في الحياة اضطر للتغيب حين تستجوبه عن غيابه معاونة مدير مشهورة بعدم الالتزام أو التستر عمن تشاء؟
ما هو شعورك حين لا يجد شخص مقرب وقتاً ليعزيك بوفاة والدك أو يكون لجانبك في مرض أو ولادة طفل أو أي أمر ثم يأتي ليمطرك من وقت لآخر بدعوة لحضور حفل زفاف أحد أبنائه؟
أشياء كثيرة يا جدتي جعلت قهوتي تبرد، وأفقدت عيدي نكهته وأنا أظل أمني النفس أن القادم أفضل لكن يبدو أنه وكما قلت: ناس هذا الزمن هم الأسوأ.
حملت جدتي فناجين القهوة، وقالت: سأعد قهوة جديدة بينما تفكرين بشيء أكثر بهجة…اكتبي مسرحية جديدة للأطفال… عالم الأطفال أنقى.
ضحكت بسخرية قبل أن أجيب: الأطفال هم الشيء الوحيد النقي لكن عالمهم مليء بالكبار الخبثاء..
هل أحدثك عن المسرحيات التي كتبتها لهم مجاناً وقبض غيري ثمنها؟
أدارت جدتي ظهرها وأغلقت الباب بعنف وهي تحدث نفسها: كلما أغلقت باباً فتح لي بوابة أكبر.
نور نديم عمران